تخطى إلى المحتوى

الطفل «الثاني» بين حتمية المنافسة وخبرة التعامل مع الشقيق «الأول» 2024.

  • بواسطة

السلام عليكم و رحمة الله و بركانه

تاريخ النشر: الإثنين 25 أكتوبر 2024
خورشيد حرفوش

يستفيد الآباء والأمهات من خبرة تربية الطفل الأول، لذلك عندما يأتي الابن الثاني فإن الأسرة ترتاح كثيراً لأن تربية الابن الأول تعطيهم قدراً كافياً من خبرة فن التعامل مع الأطفال. وعادة ما يعكس حديثهم الراحة وعدم القلق أثناء تربية الابن الثاني مقارنة بالطفل الأول.

الطفل الثاني غالباً ما يكون ذا شخصية لا تعتمد اعتماداً كلياً على الأب والأم. وهذا الطفل يقتحم المستقبل في أغلب الأحوال دون قلق أو توتر. كما أن هذا الابن الثاني للأسرة يتعلم كيف يتعامل مع الأطفال الآخرين بسهولة لأنه يولد وله أخ وهذا الموقف يختلف طبعاً عن موقف الابن الأول الذي تعود لفترة ما على أن يكون الطفل الوحيد الذي يتركز عليه اهتمام الأسرة.

ويعرف الابن الثاني كيف يلعب مع الأطفال الآخرين ويحصل على سعادة بالغة في اللعب مع غيره من الأطفال ولذلك فهو يعاني من الإحساس بالغربة عن بقية الأطفال، ويشعر أن الأطفال الصغار ليسوا مثله. إنهم ليسوا على درجة من الذكاء مثل التي يلمسها في صحبة الكبار، كما أنهم ليسوا مؤدبين كما هو الحال مع الكبار الذين يحبونه ويداعبونه ويلعبون معه. ويجيد الابن الثاني في معظم الأسر الدفاع عن نفسه ضد أي عدوان يتعرض له من جانب أي طفل آخر. إن المسألة عنده لا تحتمل أي تردد، فعندما يبلغ الشهر التاسع أو يبلغ العام قد يخاف من أخيه الأكبر، لكن عندما يبلغ عامه الثاني ففي الغالب أنه سيتحول الى وحش صغير يجيد افتراس من يعتدى عليه كما أنه سيدافع عن ممتلكاته سواء كانت ألعاباً أو ملابس. ومن المدهش أن الطفل الأصغر قد يستطيع أن يفرض سلطاته وسيطرته على طفل آخر أكبر منه في السن وأقوى. وقد يكون الدافع الى ذلك أن الطفل الأصغر يكتسب قدرة على الدخول في المعارك ويكون أكثر شجاعة من شقيقه الأكبر لأن الآباء ينسون في أغلب الأحوال أن يزرعوا فيه ما زرعوه في شقيقه الأكبر من إحساس بالذنب لو ضرب طفلاً أصغر منه. ولا يجب أن نتحول الى موقف المعجب غاية الإعجاب بالطفل الثاني، فالحياة أمامه ليست سهلة، إنه يخوض صراعاً ضارياً من أجل الحصول على المساواة مع أخيه الأكبر. خصوصاً عندما لا يكون في الأسرة من يناضل من أجل المساواة. المساواة في الحصول على ملابس من النوع نفسه الذي يحصل عليه أخوه الأكبر. ويناضل حتى تسمح له الأسرة بالسهر مثلما تسمح الأسرة للأخ الأكبر. ويحاول أن يجذب اهتمام أصدقاء شقيقه الأكبر وأن يعقد معهم صداقات حتى ولو كان ذلك على حساب إهماله لأصدقائه. ويخلق هذا الصراع في أعماق الطفل الأصغر قدراً من الشقاء والتعاسة وأحياناً أخرى يظل مرحاً وسعيداً بهذا الصراع. ولكن هذا الصراع قد ينعكس على الطفل الأصغر ليصبح إحساساً بالتوتر الدائم، فيميل الى أن يكون رقيقاً. وينعكس هذا الصراع على الشقيق الأكبر فيغتاظ من أخيه لأنه يرى كيف أن أخاه الأصغر قد تحول الى إنسان له صفات القائد القوي بين أصدقائه.

ويعرف الطفل الثاني في أغلب الأحوال كيف يتكيف مع أخيه الأكبر وأسرته، ويعرف أيضاً كيف يتكيف مع الابن الثالث الذي يأتي بعده. وفور أن يأتي الطفل الثالث قد يقع الطفل الثاني في متاعب نفسية يغلب عليها طابع الخوف لأنه لم يتمكن بعد من وضع نهاية للصراع مع أخيه الأكبر، فهو لم يبلغ مرحلة المساواة التامة معه ويشعر أن هناك «منافساً» جديداً قد ظهر على المسرح. هنا قد يتوقف الابن الثاني عن المنافسة مع أخيه الأكبر. ويستسلم للأمر الواقع ويستكين للهدوء ويفقد قدراً من الحيوية، ويفقد مقدار الشجاعة اللازمة ويحاول أن يعتمد على حماية الكبار. وقد يصاب بالنكوص فيقلد الأطفال الصغار في الكلام أو مص الأصابع أو التبول في الفراش، لكن كل هذه المظاهر ليست خطيرة، إنها رد فعل على ميلاد المنافس الجديد. وإذا استمرت هذه الظواهر لمدة أطول من الحد المعقول فعلينا أن نعرف أنه في حاجة الى المزيد من صداقة الوالدين.

والننظر مثلاً الى الطفل الأصغر»آخر العنقود» كما يحلو للبعض أن يسموه. إن الحالة قد تختلف، فالواقع يشير إلى أن معظم الأطفال الذين يولدون كآخر العنقود ليست لهم صفات بارزة بشأن ترتيبهم في الأسرة. لكن هناك فئة قليلة منهم يتملكهم اتجاهان مختلفان: الاتجاه الأول هو النضال من أجل الوصول الى مستوى الشقيق الأكبر والتفوق عليه. والاتجاه الثاني هو الاستمتاع بمكانة الطفل الأصغر.

وكلما تقدم العمر بالآباء والأمهات وكثرة إنجاب الأطفال فإن مسائل التربية تصبح عادية وتقليدية ويتعلم الآباء والأمهات أن الطفل يستطيع أن يشق طريقه في الحياة عن طريق تقليد أبويه وأنه لا لزوم للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون الطفل. إن التعب يصيب قلب الأبوين في مسائل تربية الأبناء، لذلك فإن الحبل يترك على الغارب قليلاً، وكل ذلك يجعل الأطفال الصغار لا يخضعون للرقابة الشديدة من الآباء والأمهات كما كان يحدث مع اخوته. وكثيراً ما يغض الآباء الطرف عن بعض أخطاء الابن الأصغر، وينال هذا من التدليل ما لم ينله بقية اخوته! وهكذا نجد أن الطفل الأصغر يتصف أحياناً بالأنانية والاعتماد على الآخرين، ويعاند للحصول على ما يريد وطبعاً يثير ذلك غيرة إخوته الكبار وهي غيرة لا يعيرها الطفل الأصغر اهتماماً، ويصر تماماً على الاستئثار بكل اهتمام، هذا النوع من الأطفال قد يقع في فخ الكسل وعدم القدرة على تحمل أية مسؤولية.

إن الطفل أحياناً عندما يتمتع بوالدين يقدران المسؤولية ويحيطان الأبناء بالحب فإن حبهم للطفل الأصغر قد يصبح دافعاً الى الثقة بالنفس ويعطيه القدرة لتفجير كل طاقاته الإبداعية. كما أن الطفل قد يندفع الى المنافسة مع إخوته ليكوّن لنفسه مكاناً ناجحاً في المجتمع. وهكذا نجد أن الثقة بالنفس والقدرة على الدخول في صراع المنافسة يخلقان من الإنسان طاقة ناجحة وبناءة في كافة ميادين الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.