الفـــتور عند المسلم
إن فتور المسلم عن التمسك بدينه والثبات على طاعة ربه أمر نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وبين خطره.
هذا الخطر الذي يهدد كل مسلم يعمل بدينه، راغب في التمسك به، لا يريد به بديلا، ثم سرعان ما يتحول هذا المسلم بعد القوة إلى ضعف،
وبعد الإقبال إلى الله إلى إدبار ، وبعد الرغبة في الحق إلى نفرة عنه، وبعد النشاط إلى كسل. فإذا كان كذلك فما أسرع الهلاك.
وداء الفتور يصيب العلماء ودعاة وطلبة العلم، كما يصيب غيرهم ، إلا من رحم الله.
وينتج عن هذه الحالة:
1) إستثقال الطاعات والتباطؤ عنها.
2) التخبط في المنهج، فتارة يميل إلى الحق ، وتارة يميل إلى الباطل، وتارة ييأس، وتارة ينهار.
3) التغير والتبديل، فترى هذا الصنف يحاول أن يتغير، بل قد يصر ويجزم بضرورة التغير، فيغير السنة إلى بدعة ، والأخوة إلى حزبية ، وما إلى ذلك.
4) التسويف والتأجيل للأعمال النافعة وكثرة الأماني ، فتراه قليل العمل، يمني نفسه بالخير وهو بعيد عنه ، ويعد أن يقوم ولا يفعل ، وأن يحضر فلا يحضر ، وأن يلتزم فلا يلتزم.
5) الهزيمة النفسية، فتراه آيسا من تحقيق الخير فيه ، أو في أسرته ، أو في مجتمعه ، مثبط من يعزم على فعل ذلك.
وحال المسلمين ، إلا من رحم الله ، قد عمها الفتور، وطال الرقاد وعظمت الغفلة، وتمكن حب الشر من القلوب ،
فالعون أيها المسلمون …! والمبادرة إلى استئصال هـذا الداء.
وعلاج الفتور يكون بالآتي:
1) تعاهد الإيمان وتجديده.
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))
رواه الحاكم والطبراني.
وتعاهد الإيمان وتجديده يكون بحضور المحاضرة النافعة، والدروس القيمة، وسماع الأشرطة الطيبة، والقراءة في كتب السنة الميسرة لدى الشخص، فغفلة المسلم عن الأمراض التي تدب فيه خطر عظيم عليه.
2) الاهتمام باللقاء بمن يعينه على إصلاح نفسه
بعد التأكد من ذلك ، فلا يبعد عن إخوانه ، ولا يتغيب عنهم كثيرا إلا لعذر.
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)).
رواه أحمد والترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه.
3) فقه المسلم لواقعه وماذا يدور في ساحته من خير وشر،
والجهل بهذا يؤدي بالشخص إلى الاصطدام بأمور ما كان يتوقعها ، فلهذا ترى بعضهم عند أن يبدأ بالالتزام بدينه يسعى لإصلاح الناس كلهم في نظره،
فيجد أمورا" ما كان يتوقعها ، فيقتصر على جيرانه فلا يجد استجابة كاملة ، فيقتصر على أسرته فيجد من بعضهم أو كلهم معارضة شديدة ،
فربما حصل له الانهيار والتحطيم وأيس من صلاح قريب وبعيد.
4) تنويع العبادات والعمل الصالح على وفق ما شرع الله،
والنشاط الذي يقدر عليه ، فتارة يتعلم ، وتارة يدعـو ، وتارة يزور إخوانه ، وتارة يعمل في أمور دنياه بما لا يشغله عن طاعة ربه.
من كتاب الشيخ محمد بن عبدالله الإمام
تحذير البشر من أصول الشر
الأصل السادس والعشرون: الفـــتور
فالكثير للأسف في هذا الزمان ، يعيشون ، ولا يدركون أن عليهم واجبات ، وأن لوجودهم في هذه الحياة هدف ، وأن الدنيا زائلة ، وأن الآخرة هي الدار الباقية . فتراهم متعلقين بالدنيا ولذاتها لاهون ، بعيدون ، ولا يفكرون بأنهم في يوم القيامة سيسألون ،
فإن كل جهل ـ مهما عظمت نتائجه ـ قد يغتفر ، إلا أن يجهل الإنسان سر وجوده ، وغاية حياته ، ورسالة نوعه وشخصه في هذه الأرض ….!
وأكبر العار على هذا الكائن البشري الذي أوتي العقل والإرادة ـ الإنسان ـ أن يعيش غافلا" ، يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ، لا يفكر في مصيره ، ولا يدري شيئا عن حقيقة نفسه،
وطبيعة دوره في هذه الحياة حتى يوافيه الموت بغتة ، فيواجه مصيره المجهول، دون إستعداد له، ويجني ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير،
وحينئذ يندم حين لا ينفع الندم ويرجو الخلاص ولات حين مناص.
لهذا كان لزاما" على كل بشر عاقل أن يبادر فيسأل نفسه بجد : لماذا خلقت ؟ وما غاية خلقي ؟
لماذا خلق الإنسان …؟
وبعد أن يعرف الانسان أنه مخلوق لخالق ومربوب لرب ـ وهو ببساطة : لماذا خلقت في هذه الحياة ؟ ولماذا ميزت على سائر الكائنات الأخرى ؟ وما مهمتي فوق الأرض ؟
فالجواب عنه عند المؤمنين حاضر : إن كل صانع يعرف سر صنعته لماذا صنعها ؟ ولماذا صنعها على نحو معين دون غيره ؟
والله ـ تعالى ـ هو صانع الإنسان وخالقه ومدبره أمره، فلنسأله :
يا رب لماذا خلقت هذا الإنسان؟
هل خلقته لمجرد الطعام والشراب؟
هل خلقته للهو واللعب؟
هل خلقته لمجرد أن يمشي على التراب ويأكل مما خرج من التراب، ثم يعود كما كان إلى التراب، وقد ختمت القصة؟
هل ليعيش تلك الفترة القصيرة المعذبة ما بين صرخة الوضع أنة النزع؟
إذن فما سر هذه القوى والملكات التي أودعتها الإنسان من عقل وإرادة وروح؟
وسيرد الله على تساؤلنا بما بين لنا في كتابه الكريم ـ كتاب الخلود ـ أنه خلق الانسان ليكون خليفة في الأرض ـ وهذا واضح في آدم وما كان من تمني الملائكة لمنزلته
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون ).
وأول شيء في هذه الخلافة أن يعرف الإنسان ربه حق معرفته ويعبده حق عبادته قال تعالى:
(الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن، لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)
وفي هذه الآية جعلت معرفة الله هي الغاية من خلق السموات والأرض.
ويقول تعالى:
(وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون، إن الله هو الرازق ذو القوة المتين).
وفي بعض الآثار القدسية يقول سبحانه :
(عبادي إني ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة ولا لأستكثر بكم من قلة ، ولا لأستعين بكم من وحدة على أمر عجزت عنه ، ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة ، وإنما خلقتكم لتعبدوني طويلا وتذكروني كثيرا" وتسبحوني بكرة وأصيلا ).