الحديث الثالث:
((إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ]
مُسْلِمٌ من أهل القِبْلة ويُصَلي، ومُسْلم يشْهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وأدى زكاة ماله، وغَضَّ بصَرَهُ، وأدَّى العبادات، وعقيدَتُهُ صحيحة، قال: فإنَّ من أربى الربا عند الله اسْتِحْلال عِرْض امرئ مسلم، ثمَّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قوله: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بِغَيْر ما اكْتَسَبوا…".
الحديث الرابع:
(( عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ))
[أبو داود عَنْ عائشة]
فما قالتْ إلا أنَّها قصيرة، كنت أُعَلِّقُ على هذا الحديث: أنَّ بعض المياه المالِحَةِ التي تصبُّ في البحر من المُدُن الكُبْرى في العالم قد تسير خمسين كيلومتراً والواضِح أنَّها مياهٌ سَوْداء، ومع ذلك البَحْر ماؤُهُ طاهِر، ألم يقل سيّدنا سعْد رضي الله عنه: "ثلاثةٌ أنا فيهِنَّ رجل وفيما سِوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس- من هذه الثلاثة- ما سَمِعْتٌ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا عَلِمْتُ أنَّهُ حقٌّ من الله تعالى"، حينما قال عليه الصلاة السلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
و :
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ))
[أبو داود عَنْ أنس]
يوم القيامة أظافر من نُحاس يخْمشون بها وُجوههم وصُدورهم.
((عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ]
حُقوق العِباد مَبْنِيَّةٌ على المُشاحَحَة وحُقوق الله مَبْنِيَّةٌ على المُسامَحَة :
وعن جابر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إياكم والغيبة فإنَّها شرّ من الزنا ))
المسامحة مطلوبة لأداء حقوق العباد
حُقوق العِباد مَبْنِيَّةٌ على المُشاحَحَة بينما حُقوق الله عز وجل مَبْنِيَّةٌ على المُسامَحَة، أقول لكم صراحَةً: إنَّ الذي وقع في الغيبة عليه أنْ يذهب إلى الذي اغْتابَهُ وأن يطلب منه السماح والعَفْوَ، والأوْلى أن يذكر قناعتَهُ الجديدة في الذين قال فيهم ما قال حتى يغْفر الله له، لماذا قال الله تعالى في آيات عديدة:" لِيَغْفِرَ الله لكم"؟ أليس الله كريماً وواسِعَ المَغْفِرَة؟ ما الذي نفْهَمُهُ من هذه الآية؟ قال تعالى:
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
[ سورة نوح: 4]
أي هو يغفر لكم ذُنوبَكم التي بينكم وبيْنَهُ، أما التي بيْنَكُم وبين العباد فلا تُغْفَر إلا بالمُسامحة، وَهْمٌ كبير بين الناس أنَّهُم إذا ذَهَبوا إلى بَيتِ الله الحرام غُفِرَتْ لهم كُلَّ الذنوب، هذا وهْمٌ ما قالهُ العلماء، عُدْتَ من الذنوب كَيَوْم وَلَدَتْك أُمُّك أيْ التي بينك وبين الله أما الذنوب التي بينك وبين العباد فلا تُغْفَر إلا بالأداء أو المُسامَحَة، أنْفَقَ من ماله، ووقْتِهِ، وصِحَّتِه، وخِبْرَتِه، وجاهِهِ، أما هذا الذي قَدَّمَ حياته في سبيل الله ومات في المعْرَكَة شهيداً؛ هل هناك عمَلٌ يفوقه؟ أعْظَمُ عَمَلٍ على الإطلاق أنْ تُقدِّم حياتك التي لا تملك غيرها؛ والجود بالنَّفْس أقصى غاية الجود، ومع ذلك يُغْفَرُ للشَّهيد كُلُّ الذنوب إلا الدَّيْن فلا يُغْفَرُ له، كان عليه الصلاة والسلام إذا مات أحد أصْحابه يسأل: أعَلَيْهِ دَيْن؟ فإنْ قالوا: نعم قال: صَلوا على صاحِبِكم، وإنْ قالوا: لا، صلى عليه، هذا شَهيد قَدَّمَ حياته وروحَهُ في سبيل الله ومع ذلك لا يُغْفَرُ له الدَّيْن.
من أكل لحْم أخيه غيبةً قُدِّمَ له يوم القيامة لِيَأكلهُ :
وفي حديثٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قال عليه الصلاة والسلام:
(( من أكل لحْمَ أخيه في الدنيا قَرِّبَ إليه يوم القيامة فيُقال له كُلْهُ مَيْتاً كما أكَلْتَهُ حياً))
[ المعجم الأوسط عن أبي هريرة]
فمن أكل لحْم أخيه غيبةً قُدِّمَ له يوم القيامة لِيَأكلهُ وقد تَغيَّرَتْ معالِمُ وَجْهِهِ وفَزِعَ من هذه الأكْلة، و:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهُ اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ: أَعْطِيهَا بَعِيرًا، فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ))
[أبو داود عَنْ عائشة]
فإذا أعَبْتَ إنساناً أسْوداً وقلتَ له كلمة تجْرَحُهُ، فقد هَجَرَ النبي عليه الصلاة والسلام زَوْجَتَهُ صَفِيَّة شهر ذي الحِجَّة ومحرَّم وصفر لِقَوْلِها أَأُعْطي تلك اليهودِيَّة؟
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ… قَالَ فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ…))
[أحمد عَنْ ابن عباس]
دين الإنسان في المُعاملة :
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؛ وهو من أدَقِّ الأحاديث وينبغي أن تحْفظوه يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[مسلم عَنْ أبي هريرة]
من هذا الرجل؟ يُصَلي ويصوم ويُؤدي زكاة ماله ولكنَّهُ يشْتم ويغْتاب ويأكل مال الناس بالباطل، لذلك مِحَكُّ دين الإنسان في المُعاملة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ))
[ البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ]
فهُوَ مَبني على خَمْسٍ، أما أنْ يكون الإسلام هذه الخَمْس فما قال عليه الصلاة والسلام هكذا، فهُوَ أخْلاقٌ وصِدْقٌ وأمانة وورَعٌ وعِفَّة وشجاعة وكَرَم وإخْلاص، أما أنْ نصلي ونصوم ونُزَكي ونعْتَمِر ثمَّ نغُشّ، ونحْلف بالباطل، ونغْتاب، ونشْتُم، ونأكل أموال الناس بالباطل، ونحْتال، فلَيْسَ هذا هو المُسْلم، أي إذا أردتم أنْ تضعوا يَدَكم على جُرْح المُسْلمين فهذا هو الحديث الذي ينبغي أنْ تحْفظوهُ جميعاً يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[مسلم عَنْ أبي هريرة]
والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهَوى إنْ هو إلا وَحْيٌ يوحى، كلامُ النبي وَحْيٌ غير مَكْذوب، وكُلُّ إنسان اسْتَخَفَّ بِهذا الحديث ولم يعْبأ وأصَرَّ على أنَّ الدِّين صلاةٌ وصِيامٌ فقط وحَجٌّ وزكاة وليس اسْتِقامَة ولا ضبْطاً للِّسان، ولا ضبْطاً في كسْب المال، ولا في إنْفاقه، فقد كَذَّب النبي عليه الصلاة والسلام.
الغيبة والنميمة يحُطان الإيمان :
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
(( مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ أُرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ))
[أبو داود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ ]
الشهادة الزور بأداء اليمين الغموس ليس لها كفارة
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبًا بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا وَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أحمد عَنْ أبي هريرة]
هذه الخَمْسُ ليس لهنّ كفارة، لماذا؟ السؤال الدقيق أنَّ الإنسان إذا حلف يميناً ثمَّ حنث به هناك كفارة، بإمْكانه أنْ يطْعِمَ عشرة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أما إذا حلف يميناً غموساً أمام قاض لِيَقْتَطِعَ به مال امرئ مُسْلِمٍ، فهذه اليمين الغَموس ليس لها كفارة، لماذا؟ لأنَّها تُخْرجُ صاحِبَها من الإسْلام، وتغْمِسُ صاحِبَها في النار، فَمِنْ هذه الخَمْس التي ليس كفارة أن تبْهَتَ مؤمناً بريئاً وصادِقاً تريد أنْ تُحَطِّمَهُ.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(( الغيبة والنميمة تحتان الإيمان كما يعْضُد-أي يقطعُ – الراعي الشَّجَرة))
[ الأصبهاني عن عثمان بن عفان]
فإيمانك يذهب بالغيبة والنميمة.
من يصل إلى مكاسب الدنيا بِنَهْشِ أعْراض الناس له عذابٌ شديد :
أيها الأخوة، روى أحمد أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً وَقَالَ مَرَّةً أُكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنِ اكْتَسَى بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ثَوْبًا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
[أحمد عَنْ المستورد]
أحياناً تُدْعى إلى وليمة لَينْهَشَ عِرْض فلان، فهذا الطعام يأكلُهُ في جَهَنَّم، وأحْياناً تغْتابُ إنساناً فَتُكْرم بِثَوْبٍ تلبسُه! فهذا الثوْب يُكْساه في جَهَنَّم، فالإنسان الذي يصِلُ إلى مكاسب الدنيا بِنَهْشِ أعْراض الناس، ويبني مجْدَهُ على الآخرين له عذابٌ شديد.
والدقيق من هذا أنَّ من كانت عنده مَظْلَمَةٌ لأخيه من مالٍ أو عِرْضٍ فَلْيَأتِهِ لْيَسْتَحِلَّها منه في الدنيا قبل أنْ يُؤخذَ وليس عنده دِرْهَمٌ ولا دينار، فإنْ كانت له حَسَناتٌ أُخِذَ من حسَناتِهِ فأُعْطِيَها هذا، وإلا أُخِذَ من سيِّئات هذا فأُلْقِيَ عليه، فإذا عليك حقٌّ مالي أو معْنوي فاسْتَحِلَّ هذا الحق في الدنيا قبل يوم القيامة، فلا يعيبُك أنْ تأتي لإنسان قد اغْتَبْتَهُ وأنْ تطلب منه السماح وأن تذكُرَهُ بِخَيْر في الذين ذَكَرْتَهُم عنده بالشرّ.
وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا قَالَ أَبو محَمَّد يَعْنِي بِالْغِيبَةِ ))
[أبو داود عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ]
ضَبْطُ اللِّسان أحد أرْكان الاسْتِقامة :
والله إنَّ هذه الأحاديث مُخيفة، هذا كلامُ النبي وكلامُهُ حقٌّ، وهو لا ينطق عن الهَوى، فالإنسان عندما يضبط لِسانه إلى أقْصى الحدود يُحاول أنْ يُطَبِّق في كلامه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فَيُفْلِحْ ويشْعُر بِقُرْبِهِ من الله وبِإقْباله عليه، وسِرُّ إقْبالك على الله اسْتقامتُك، فعَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
[أحمد عَنْ مُعَاذٍ]
شيءٌ آخر وهو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
[ رواه أحمد عن أنس بن مالك ]
فصارَ ضَبْطُ اللِّسان أحد أرْكان الاسْتِقامة، والإمام الغزالي في الإحْياء ذكر ثلاثة عَشَر عَيْباً من عُيوب اللِّسان، ومن أهَمِّها الغيبة، فاجْلس في بيْتِك واذْكُر ربَّك ولا تقع في أعْراض الناس، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُحاسِبُك على هذا حِساباً عسيراً، وذَكَرْتُ لكم من قبل: مما يُغْري الناس في مجالِسِهم الحديث عن العلماء والخطباء فَيَنْهَشون أعْراضَهُم، وهذا من أكبر الكبائِر، فَكُلُّ إنسان أجْرى الله على يَدَيْه الخير فلا ينبغي أنْ تطْعَن فيه وتَهُزَّ مكانهُ، فهذا عَمَلٌ لا يُرْضي الله، فأدْنى الغيبة أنْ تقول: هذا اللَّوْن غير مُناسب، أما أشَدُّ أنواع الغيبة أن تنال إنساناً أجْرى الله على يديه الخير، فأنت إذاً من قُطاع الطريق حينما تقْطعُ الطريق إلى الله، الذي يُفْسِد علاقة مُتَعَلِمٍ بِمُعَلِّم وعلاقة شَيْخٍ بِتِلْميذ فهو من قطاع الطريق.
والحمد لله رب العالمين
((إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ]
مُسْلِمٌ من أهل القِبْلة ويُصَلي، ومُسْلم يشْهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وأدى زكاة ماله، وغَضَّ بصَرَهُ، وأدَّى العبادات، وعقيدَتُهُ صحيحة، قال: فإنَّ من أربى الربا عند الله اسْتِحْلال عِرْض امرئ مسلم، ثمَّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قوله: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بِغَيْر ما اكْتَسَبوا…".
الحديث الرابع:
(( عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ))
[أبو داود عَنْ عائشة]
فما قالتْ إلا أنَّها قصيرة، كنت أُعَلِّقُ على هذا الحديث: أنَّ بعض المياه المالِحَةِ التي تصبُّ في البحر من المُدُن الكُبْرى في العالم قد تسير خمسين كيلومتراً والواضِح أنَّها مياهٌ سَوْداء، ومع ذلك البَحْر ماؤُهُ طاهِر، ألم يقل سيّدنا سعْد رضي الله عنه: "ثلاثةٌ أنا فيهِنَّ رجل وفيما سِوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس- من هذه الثلاثة- ما سَمِعْتٌ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا عَلِمْتُ أنَّهُ حقٌّ من الله تعالى"، حينما قال عليه الصلاة السلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
و :
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ))
[أبو داود عَنْ أنس]
يوم القيامة أظافر من نُحاس يخْمشون بها وُجوههم وصُدورهم.
((عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ]
حُقوق العِباد مَبْنِيَّةٌ على المُشاحَحَة وحُقوق الله مَبْنِيَّةٌ على المُسامَحَة :
وعن جابر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إياكم والغيبة فإنَّها شرّ من الزنا ))
المسامحة مطلوبة لأداء حقوق العباد
حُقوق العِباد مَبْنِيَّةٌ على المُشاحَحَة بينما حُقوق الله عز وجل مَبْنِيَّةٌ على المُسامَحَة، أقول لكم صراحَةً: إنَّ الذي وقع في الغيبة عليه أنْ يذهب إلى الذي اغْتابَهُ وأن يطلب منه السماح والعَفْوَ، والأوْلى أن يذكر قناعتَهُ الجديدة في الذين قال فيهم ما قال حتى يغْفر الله له، لماذا قال الله تعالى في آيات عديدة:" لِيَغْفِرَ الله لكم"؟ أليس الله كريماً وواسِعَ المَغْفِرَة؟ ما الذي نفْهَمُهُ من هذه الآية؟ قال تعالى:
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
[ سورة نوح: 4]
أي هو يغفر لكم ذُنوبَكم التي بينكم وبيْنَهُ، أما التي بيْنَكُم وبين العباد فلا تُغْفَر إلا بالمُسامحة، وَهْمٌ كبير بين الناس أنَّهُم إذا ذَهَبوا إلى بَيتِ الله الحرام غُفِرَتْ لهم كُلَّ الذنوب، هذا وهْمٌ ما قالهُ العلماء، عُدْتَ من الذنوب كَيَوْم وَلَدَتْك أُمُّك أيْ التي بينك وبين الله أما الذنوب التي بينك وبين العباد فلا تُغْفَر إلا بالأداء أو المُسامَحَة، أنْفَقَ من ماله، ووقْتِهِ، وصِحَّتِه، وخِبْرَتِه، وجاهِهِ، أما هذا الذي قَدَّمَ حياته في سبيل الله ومات في المعْرَكَة شهيداً؛ هل هناك عمَلٌ يفوقه؟ أعْظَمُ عَمَلٍ على الإطلاق أنْ تُقدِّم حياتك التي لا تملك غيرها؛ والجود بالنَّفْس أقصى غاية الجود، ومع ذلك يُغْفَرُ للشَّهيد كُلُّ الذنوب إلا الدَّيْن فلا يُغْفَرُ له، كان عليه الصلاة والسلام إذا مات أحد أصْحابه يسأل: أعَلَيْهِ دَيْن؟ فإنْ قالوا: نعم قال: صَلوا على صاحِبِكم، وإنْ قالوا: لا، صلى عليه، هذا شَهيد قَدَّمَ حياته وروحَهُ في سبيل الله ومع ذلك لا يُغْفَرُ له الدَّيْن.
من أكل لحْم أخيه غيبةً قُدِّمَ له يوم القيامة لِيَأكلهُ :
وفي حديثٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قال عليه الصلاة والسلام:
(( من أكل لحْمَ أخيه في الدنيا قَرِّبَ إليه يوم القيامة فيُقال له كُلْهُ مَيْتاً كما أكَلْتَهُ حياً))
[ المعجم الأوسط عن أبي هريرة]
فمن أكل لحْم أخيه غيبةً قُدِّمَ له يوم القيامة لِيَأكلهُ وقد تَغيَّرَتْ معالِمُ وَجْهِهِ وفَزِعَ من هذه الأكْلة، و:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهُ اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ: أَعْطِيهَا بَعِيرًا، فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ))
[أبو داود عَنْ عائشة]
فإذا أعَبْتَ إنساناً أسْوداً وقلتَ له كلمة تجْرَحُهُ، فقد هَجَرَ النبي عليه الصلاة والسلام زَوْجَتَهُ صَفِيَّة شهر ذي الحِجَّة ومحرَّم وصفر لِقَوْلِها أَأُعْطي تلك اليهودِيَّة؟
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ… قَالَ فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ…))
[أحمد عَنْ ابن عباس]
دين الإنسان في المُعاملة :
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؛ وهو من أدَقِّ الأحاديث وينبغي أن تحْفظوه يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[مسلم عَنْ أبي هريرة]
من هذا الرجل؟ يُصَلي ويصوم ويُؤدي زكاة ماله ولكنَّهُ يشْتم ويغْتاب ويأكل مال الناس بالباطل، لذلك مِحَكُّ دين الإنسان في المُعاملة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ))
[ البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ]
فهُوَ مَبني على خَمْسٍ، أما أنْ يكون الإسلام هذه الخَمْس فما قال عليه الصلاة والسلام هكذا، فهُوَ أخْلاقٌ وصِدْقٌ وأمانة وورَعٌ وعِفَّة وشجاعة وكَرَم وإخْلاص، أما أنْ نصلي ونصوم ونُزَكي ونعْتَمِر ثمَّ نغُشّ، ونحْلف بالباطل، ونغْتاب، ونشْتُم، ونأكل أموال الناس بالباطل، ونحْتال، فلَيْسَ هذا هو المُسْلم، أي إذا أردتم أنْ تضعوا يَدَكم على جُرْح المُسْلمين فهذا هو الحديث الذي ينبغي أنْ تحْفظوهُ جميعاً يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[مسلم عَنْ أبي هريرة]
والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهَوى إنْ هو إلا وَحْيٌ يوحى، كلامُ النبي وَحْيٌ غير مَكْذوب، وكُلُّ إنسان اسْتَخَفَّ بِهذا الحديث ولم يعْبأ وأصَرَّ على أنَّ الدِّين صلاةٌ وصِيامٌ فقط وحَجٌّ وزكاة وليس اسْتِقامَة ولا ضبْطاً للِّسان، ولا ضبْطاً في كسْب المال، ولا في إنْفاقه، فقد كَذَّب النبي عليه الصلاة والسلام.
الغيبة والنميمة يحُطان الإيمان :
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
(( مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ أُرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ))
[أبو داود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ ]
الشهادة الزور بأداء اليمين الغموس ليس لها كفارة
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبًا بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا وَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ ))
[أحمد عَنْ أبي هريرة]
هذه الخَمْسُ ليس لهنّ كفارة، لماذا؟ السؤال الدقيق أنَّ الإنسان إذا حلف يميناً ثمَّ حنث به هناك كفارة، بإمْكانه أنْ يطْعِمَ عشرة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أما إذا حلف يميناً غموساً أمام قاض لِيَقْتَطِعَ به مال امرئ مُسْلِمٍ، فهذه اليمين الغَموس ليس لها كفارة، لماذا؟ لأنَّها تُخْرجُ صاحِبَها من الإسْلام، وتغْمِسُ صاحِبَها في النار، فَمِنْ هذه الخَمْس التي ليس كفارة أن تبْهَتَ مؤمناً بريئاً وصادِقاً تريد أنْ تُحَطِّمَهُ.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(( الغيبة والنميمة تحتان الإيمان كما يعْضُد-أي يقطعُ – الراعي الشَّجَرة))
[ الأصبهاني عن عثمان بن عفان]
فإيمانك يذهب بالغيبة والنميمة.
من يصل إلى مكاسب الدنيا بِنَهْشِ أعْراض الناس له عذابٌ شديد :
أيها الأخوة، روى أحمد أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً وَقَالَ مَرَّةً أُكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنِ اكْتَسَى بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ثَوْبًا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
[أحمد عَنْ المستورد]
أحياناً تُدْعى إلى وليمة لَينْهَشَ عِرْض فلان، فهذا الطعام يأكلُهُ في جَهَنَّم، وأحْياناً تغْتابُ إنساناً فَتُكْرم بِثَوْبٍ تلبسُه! فهذا الثوْب يُكْساه في جَهَنَّم، فالإنسان الذي يصِلُ إلى مكاسب الدنيا بِنَهْشِ أعْراض الناس، ويبني مجْدَهُ على الآخرين له عذابٌ شديد.
والدقيق من هذا أنَّ من كانت عنده مَظْلَمَةٌ لأخيه من مالٍ أو عِرْضٍ فَلْيَأتِهِ لْيَسْتَحِلَّها منه في الدنيا قبل أنْ يُؤخذَ وليس عنده دِرْهَمٌ ولا دينار، فإنْ كانت له حَسَناتٌ أُخِذَ من حسَناتِهِ فأُعْطِيَها هذا، وإلا أُخِذَ من سيِّئات هذا فأُلْقِيَ عليه، فإذا عليك حقٌّ مالي أو معْنوي فاسْتَحِلَّ هذا الحق في الدنيا قبل يوم القيامة، فلا يعيبُك أنْ تأتي لإنسان قد اغْتَبْتَهُ وأنْ تطلب منه السماح وأن تذكُرَهُ بِخَيْر في الذين ذَكَرْتَهُم عنده بالشرّ.
وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا قَالَ أَبو محَمَّد يَعْنِي بِالْغِيبَةِ ))
[أبو داود عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ]
ضَبْطُ اللِّسان أحد أرْكان الاسْتِقامة :
والله إنَّ هذه الأحاديث مُخيفة، هذا كلامُ النبي وكلامُهُ حقٌّ، وهو لا ينطق عن الهَوى، فالإنسان عندما يضبط لِسانه إلى أقْصى الحدود يُحاول أنْ يُطَبِّق في كلامه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فَيُفْلِحْ ويشْعُر بِقُرْبِهِ من الله وبِإقْباله عليه، وسِرُّ إقْبالك على الله اسْتقامتُك، فعَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
[أحمد عَنْ مُعَاذٍ]
شيءٌ آخر وهو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
[ رواه أحمد عن أنس بن مالك ]
فصارَ ضَبْطُ اللِّسان أحد أرْكان الاسْتِقامة، والإمام الغزالي في الإحْياء ذكر ثلاثة عَشَر عَيْباً من عُيوب اللِّسان، ومن أهَمِّها الغيبة، فاجْلس في بيْتِك واذْكُر ربَّك ولا تقع في أعْراض الناس، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُحاسِبُك على هذا حِساباً عسيراً، وذَكَرْتُ لكم من قبل: مما يُغْري الناس في مجالِسِهم الحديث عن العلماء والخطباء فَيَنْهَشون أعْراضَهُم، وهذا من أكبر الكبائِر، فَكُلُّ إنسان أجْرى الله على يَدَيْه الخير فلا ينبغي أنْ تطْعَن فيه وتَهُزَّ مكانهُ، فهذا عَمَلٌ لا يُرْضي الله، فأدْنى الغيبة أنْ تقول: هذا اللَّوْن غير مُناسب، أما أشَدُّ أنواع الغيبة أن تنال إنساناً أجْرى الله على يديه الخير، فأنت إذاً من قُطاع الطريق حينما تقْطعُ الطريق إلى الله، الذي يُفْسِد علاقة مُتَعَلِمٍ بِمُعَلِّم وعلاقة شَيْخٍ بِتِلْميذ فهو من قطاع الطريق.
والحمد لله رب العالمين
باارك الله فيك