إنَّ خير هذه الأمة هم الجماعة الوسط المتمسكون بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منهجهم، وأعمالهم، وتحصيل العلم وتعليمه، والحكم على الآخرين، يقتدون بسيد البشر -صلى الله عليه وسلم-، وقد شاهدوا أعماله، وسمعوا أحكامه، واهتدوا بهديه، وبلَّغوا ذلك للناس، فلهم مِنَّة على كلِّ من جاء بعدهم، ولرسول الله مِنَّة عليهم وعلى كلِّ من جاء بعدهم، وحرصوا على أن يكون الناس سائرين على منهج واضح جلي، يأخذون بأقوال محمد -صلى الله عليه وسلم- في أنَّه لم يُؤمر بأن يفتِّش أو يطلع على ما في القلوب، بل يَكِل الناس إلى ظواهرهم، ويترك سرائرهم إلى علَّام السرائر -جلَّ وعلا-.
ثم جاء بعد القرون المفضلة قرنين -قرن الصحابة وقرن التابعين- أناس يتجرؤون في التضليل والتفسيق والتكفير، فتصدَّى لهم حملة النور الإلهي ورُسِم لنا منهج أهل السنة والجماعة، وهو أنَّهم لا يحكمون على أحد إلَّا بعمله، فمن عمل عملًا يدلُّ على كفر؛ حكموا عليه بعمله، وهناك أعمال تكون دائرة بين تكفير وتضليل، فكلما دار الأمر بين حالين؛ فإنَّ أهل السنة والجماعة يحملونه على الأحوط والاحتياط للذمة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ من قال لإنسان: يا كافر، وليس كذلك؛ حار قول هذا القائل إلى قائله، ومن قال لآخر: يا عدو الله، وليس كذلك؛ حار هذا القول إلى قائله، فكان الصحابة والتابعون يحذَرون من مثل هذا.
وفي عصرنا هذا كثُرت الأقوال والأقاويل، وتحدَّث المتحدِّثون، وتجرَّأ المتجرِّئون على أحكام الشريعة، ما بين مُصْدِر للأحكام دون ضابط ولا انضباط، وما بين مستهتر لا يحكمه ميثاق ولا يصده صاد، ويأخذ بأنَّ الإنسان لا يكفَّر مهما أتى من أعمال الكفر، وكذلك تجرأ كثير من الناس على تكفير الآخرين، وإن رأوهم يصلون أو يصومون ولم يُعرف لهم ارتكاب مبطل من مبطلات الإسلام، ولكن بتأويلات فاسدة وانجراف وراء أهواء الله أعلم ببواعثها وإرادات حامليها، والمَخْرج من هذا ما كان عليه سلف الأمة، وما تمسك به أهل السنة والجماعة الذين هم الطائفة المنصورة، كما في حديث: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتي وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلَّا واحدة) قالوا: من هي؟ قال: (من كان على مثل أنا عليه وأصحابي)، فكلُّ من تمسك بالسنة، وتقيَّد بأحكامها، وانضبط بضوابطها؛ فهو على منهج أهل السنة والجماعة.
وينبغي للمسلم أن يحرص على أن يتعرَّف موقفه، وأن يتثبَّت ويثبُت على الحق؛ لئلَّا تزل به القدم، لأنَّ الإنسان إذا زلَّت به القدم لا يُدرى ولا يدري هل ينتشل نفسه من تلك العثرة، أو يستمر هاويًا في عثرته، فإذا استعصم الإنسان بالكتاب والسنة، وتعرَّف منهج سلف الأمة الصالحين، واعتنى بذلك، وأحسن الالتجاء إلى الله -جلَّ وعلا-؛ فهو حري بإذن الله أن ينجو، وإن كانت الأخطار كثيرة.
مادة صوتية مفرغة للشيخ: صالح اللحيدان حفظه الله بعنوان: منهج أهل السُّنة في الحكم على الآخرين
((بتصرف)) من موقع مسلمات