بقلم الاستاذ *هاشم مسعود*
هناك نوع آخر من الوعي . مفهوم يختلف عن الذي نألفه . هذا المفهوم قد أزيل من ثقافات
الشعوب و طريقة تفكيرهم . لدرجة أنه لم يعد له مصطلح أو اسم محدّد يشير إليه تحديداً .
ليس له معنى خاص به في المعاجم أو المراجع المختلفة .
يتشابه هذا المفهوم بمفهوم الإيمان . أنا لا أقصد ذلك النوع من الإيمان الذي فرضته
السلطات الروحية على رعاياها في فترة من فترات التاريخ حتى أصبحت مسلمات .
أنا أقصد الإيمان بالذات و ليس الإيمان بالمسلمات . الإيمان بالقدرات الذاتية ، الوعي بالذات .
الإطلاع على قدراتك أي أن تدركها جيداً و تعي مدى فعاليتها و تأثيرها . هذا المفهوم الإنساني الجوهري ، هذا الوعي بالذات ، الإيمان بها ، قد تعرّض إلى التحريف المقصود عبر العصور ،
وجعله يبدو كما هو الآن ( مفهوم يقول أن الإنسان هو كائن ضعيف ، لا يستطيع التصرّف دون
إرشاد ، لا يستطيع معالجة نفسه من العلل دون إرشاد ، لا يستطيع التفكير دون إرشاد ) … فآمن الإنسان بهذا الواقع المزوّر الذي فرض عليه .. و تم إرشاده ، و توجيهه ، و من ثم توجيهه ..
إلى أن وصل إلى هذا المستوى من الانحطاط الروحي و الفكري و المعنوي … انحطاط كبير ،
بكل ما تعنيه الكلمة من معاني .. مأزق فكري عظيم ، يصعب الخروج منه . لأن هذا الوضع
الإنساني البائس ، قد صمّم بإتقان كبير من قبل جهات معيّنة ، حكمت يوماً أرواح الشعوب .
لقد حصل تغيير ما في جوهر هذا الإنسان ، في مرحلة معيّنة من مراحل التاريخ الطويلة ،
لا نعرف متى و أين و لماذا ، لكن هذا التغيير قد تم فعلاً ، و كذلك طريقة تفكيره و نظرته
إلى الحياة بشكل عام .
لقد فرض على الإنسان منذ زمن بعيد ، و لأسباب لازلنا نجهلها ، بأن يقنع بفكرة أنه مخلوق ضعيف .
و قد توارثت هذه الفكرة أجيال كثيرة متتالية مما جعلها تصبح حقيقة واقعية غير مشكوك بها .
لكن مهما قال رجال العلم ، و رجال الأيديولوجيات ، و مهما خرجوا بنظريات و أفكار و معادلات و قوانين و تفسيرات مختلفة ، فلا يمكن إنكار حقيقة ثابتة تفرض نفسها . هي أننا أقوى من ما نحن
عليه بكثير ، و بأننا نملك قدرات و قوى لازلنا نجهلها . و قد ولدت معنا ، لكننا لم نتمكن من
استثمارها ، و بدلاً من ذلك ، نمرّ بهذه الحياة بكل بساطة ، و نتمنى الأفضل لأنفسنا ،
و نحن نجهل أن الأفضل الذي نتمناه هو في داخلنا .
منذ ولادتنا ، نبدأ الخوض في معترك هذه الدنيا ، و نبدأ بتعلّم أشياء كثيرة ، فنتعلّم كيف نمشي ،
و كيف نتكلّم ، و كيف نكتب و نقرأ .. إلى أخره ، لكن لا أحد يعلّمنا كيف نستخدم عقولنا !.
لا أحد يعلّمنا كيف نستخدم وعينا بذاتنا الحقيقية . الإيمان الحقيقي بأنفسنا .
ظواهر كثيرة تشير إلى أننا أكثر من ما نحن عليه بكثير . لكننا نتجاهلها ، و نسير وفق
المعتقدات التي فرضتها علينا الأنظمة الاجتماعية السائدة . فكيف لا نتجاهلها و لا زلنا
نجهل ما هو العقل و الوعي و علاقتهما الصميمية بواقعنا و حياتنا الشخصية ؟.
كل شيء يبدأ من الوعي :
كل ما يحدث في حياتنا ، و ما يحدث في أجسادنا ، هو نتيجة حصول تغيير ما في وعينا .
إن وعينا هو ما نحن عليه ، و ما نختبره في الحياة .
أنت تقرر ما تتقبّله من أفكار معيّنة ، و ترفض أفكار أخرى . أنت تقرّر بما تفكّر ،
و ما تشعر به ، و لهذه الأفكار و المشاعر تأثير كبير على جسدك الفيزيائي . إن نوعية هذه
الأفكار و المشاعر هي التي تحدد مدى الإجهاد أو الارتياح الذي يعاني منها أو يتحلى بها جسدك .
أما الإجهاد ، فسوف يؤدي لظهور أعراض . تتجسد حسب نوع هذا الإجهاد و درجته ، أي
حسب حالة الوعي . و من أجل استيعاب هذه الفكرة التي تشير إلى أن ما يصيب حالتنا
الصحية سببه داخلي و ليس خارجي ، سنأخذ أمثلة من الواقع المحيط بنا :
الجراثيم موجودة في كل مكان . لكن ما هو تفسير وجود أشخاص يتأثرون بها و يمرضون ،
بينما هناك أشخاص لا يتأثرون إطلاقاً ؟… الجواب هو اختلاف حالة الوعي .
في المستشفيات و العيادات الطبية المختلفة ، لماذا نجد مرضى يتجاوبون مع الأدوية و
العلاجات و يشفون تماماً ، بينما هناك أشخاص لا يتجاوبون مع الأدوية ؟!…. الجواب
هو اختلاف في حالة الوعي .. إن نظرتهم لتلك الأدوية مختلفة .. و تتفاوت درجات الإيمان
بقدرتها على العلاج من شخص لآخر .
وعينا هو نظرتنا الخاصة تجاه أنفسنا ، الإيمان بما نحن عليه ، هو طاقة بحد ذاتها !.
هذه الطاقة لا تكمن فقط في الدماغ . إنها منتشرة في جميع أنحاء جسمنا . هذه الطاقة
متصلة بكل خلية من خلايانا . و عن طريق هذا الوعي ( الطاقة ) ، يمكننا التواصل مع
كل عضو و كل قطعة نسيجية موجودة في أجسامنا .
و من الظواهر التي تثبت تلك العلاقة الصميمية بين العقل و الجسد هي ظاهرة التنويم
المغناطيسي . فبالإضافة إلى القدرات الفكرية الهائلة التي يظهرها النائم مغناطيسياً مثل
"القدرة الهائلة على التذكّر " ، و التحكم بالإدراك و غيرها من قدرات لسنا بصددها الآن ،
فقد أثبتت هذه العملية قدرة النائم على تجاهل الألم ، حيث اكتشف الأطباء في بدايات القرن
التاسع عشر فعالية التنويم المغناطيسي في عملية التخدير ، و استخدموا هذه الطريقة على
نطاق واسع ، خاصة قبل اكتشاف "المورفين" . و استخدموها أيضاً لتسكين الآلام الناتجة
عن الأمراض كالسرطان أو الحروق أو غيرها من حالات مسببة لآلام مبرحة . و هذه العملية ، بمفهومها المبسّط ، هي عبارة عن القيام بالإيحاء للمريض و إقناعه بأنه لا يشعر بالألم ،
فيحصل ذلك فعلاً . كما استطاع المنومون إجراء تغييرات بايولوجية للنائم عن طريق هذه
الإيحاءات ، كالتحكم بأي عضو من أعضاء جسمه ، و قد نجحوا في التحكم بالوظائف اللاإرادية كنبضات القلب ، و جهاز التنفس ، و درجة حرارة الجسم ، و جهاز التعرّق ، و حتى الإستفراغ ،
و غيره من وظائف جسدية أخرى .
لكن بعد قمع هذه الطريقة التي حاربتها المؤسسات الطبية الرسمية ، و دحضت حقائقها تماماً ،
ظهرت إثباتات دامغة في القرن الماضي ، تشير إلى أن التنويم المغناطيسي ، و غيرها من
مجالات علاجية أخرى تعتمد على علاقة العقل الصميمية بالجسد ، كانت محقة في توجهاتها !. تكنولوجيات كثيرة مثل طريقة تصوير كيرليان و غيرها التي تعتمد على ظاهرة حقل الطاقة
الإنساني ، اتخذت هذا التوجّه و هذا المفهوم الجديد في النظر إلى الإنسان ، اكتشفت أن
حصول أي تغيير في حالة الوعي ، يؤدي إلى تغيير في حقل الطاقة . و هذا التغيير في حقل
الطاقة يؤدي إلى تغيير في الجسم الفيزيائي .
تتجلى هذه المعادلة الحديثة كالتالي :
حالة الوعي ..ــــ.. حقل الطاقة ..ــــ.. الحالة الفيزيائية
يحكم الأطباء و العلماء اليوم إيمان راسخ بأن 75 بالمائة من الأمراض و الأوبئة مسببها
الرئيسي هو العقل ( الوعي ) !. و أثبت الباحثون أن الإجهاد و الإرهاق الذي ينتج من العقل ،
هو المسبب الرئيسي للعلل و النكسات الصحية ، و فقدان المناعة .
حتى أكثر الأطباء علمانية و تشككاً في علاقة العقل الصميمية بالجسد ، يؤمنون بأن الإرادة
القوية يمكن لها أن تنقذ صاحبها من حالات مرضية ميئوس منها ، و حتى الجروح القاتلة .
و هم يعرفون أيضاً أن ما يعادل نسبة 40 بالمائة من المرضى الذين يزورون المستشفيات
هم مصابون بأمراض وهمية ، أي أنهم ليسوا مريضين في الحقيقة لكن أعراض المرض
تبدو واضحة عليهم و كأنهم يعانون منها فعلاً ( حالة وعي ( .
لم تكن ظاهرة " دخول عنصر "العقل" في معالجة العلل و الأمراض" جديدة ، فقد عرفت منذ
عصور سحيقة . و اكتشف الكثير من المخطوطات القديمة التي تشير إلى هذه الطريقة في العلاج . عرفت في الصين و الهند و حضارات أمريكا الجنوبية و عند الرومان و الإغريق و سكان أستراليا الأصليين و أفريقيا . جميع هذه الشعوب أجمعت على أن التصوّر القوي للمرض قد يؤدي إلى ظهور أعراضه فعلياً . و امتدّ هذا الإعتقاد إلى عصر النهضة ، قبل أن تتسلل أفكار "المادية الجدلية" إلى أوساط رجال العلم ، حيث كتب الطبيب السويسري المشهور " باراسيلزوس " يقول : يمكن لقوة التصوّر أن تلعب دوراً مهماً في الطب ، فيمكن أن تنتج المرض و يمكن أن تعالجه . و ذكرت في
كتابات و مخطوطات قديمة , كورق البردي الذي اكتشف في طيبة بمصر ، يعود تاريخه إلى 3500 سنة ، يحتوي هذا المخطوط الفرعوني على جملة واحدة تقول : " ضع يدك على الألم و قل بأعلى صوتك إن على الألم أن يزول " . لكن كيف يمكن لرجال علمانيين متشككين أن ينظروا إلى هذا
الكلام ؟. كلام فارغ ، خزعبلات . هذا هو رأيهم .
أعيد النظر في علاقة "العقل" بشفاء الأشخاص ، في الخمسينات من القرن الماضي ،
1955 م ، و هو ما يعرف عند الأطباء بمفعول "بلاسيبو" و هو عبارة عن عملية إعطاء المريض "كبسولة فارغة " أو "كوب من الماء الملوّن" ، و يوهمون المريض ، أي يجعلونه
يعتقد ، بأن ما يقدمونه له هو دواء فعّال أثبت جدارته في القضاء على المرض الذي يعاني
منه ، فيتناول المريض هذا الدواء الوهمي على فترات محدّدة ، و بعد فترة من الزمن يبدأ
بالتحسّن تلقائيّاً .
و هناك مفعول معاكس يسمونه "نوسيبو" . و هو عبارة عن إعطاء المريض الدواء الحقيقي
الذي يستطيع فعلاً أن يشفيه ، لكنهم يقنعونه بأن هذا الدواء هو عبارة عن مادة غير فعالة وهي
مجرّد ماء ملوّن أو كبسولة فارغة ، و النتيجة المذهلة هي أن هذا المريض لن يتجاوب مع
الدواء ، أي أنه لا يشفيه .
و يتمثّل مفعول "نوسيبو" في حالات أخرى كتلك التي تحصل في مختبرات التحليل الطبي ،
حيث يقوم العاملون به بإعطاء نتيجة تحليل شخص مريض معيّن إلى شخص آخر يتمتع
بصحة جيدة ( يحصل ذلك بالخطأ) ، لكن هذا الشخص يصاب فعلاً بأعراض هذا المرض ،
مع أن نتيجة التحليل لا تعود له أساساً .
أما العمليات الجراحية فهي لا تخلو من تأثير هذه الظاهرة . و قد ظهر ما يسمى بجراحة
البلاسيبو أي الجراحة الكاذبة ! و التي لها نتائج مماثلة للجراحة الحقيقية ! نأخذ مثال على
ذلك التجربة التي قام بها جرّاح في مركز هيوستن الصحي العسكري ، عام 1994م ، يدعى
"بروس موسلي" ، على عشرة رجال يعانون من آلام مبرحة في الركبة بسبب التهاب المفاصل ،
و جميع هذه الحالات تتطلّب عمليات جراحية . لكن بعد إدخالهم إلى غرفة العمليات ، واحد تلو
الآخر ، قام هذا الجراح بعملية جراحية حقيقية لاثنين فقط من هؤلاء الرجال . أما الباقون ،
فقد قام بجرح ركبهم بالمشرط ثلاث مرات ليجعلها تبدو أنها خضعت لعملية جراحية بالفعل .
و خرج الرجال العشرة في اليوم التالي و هم جميعاً يستندون على عكازات و أرجلهم ملفوفة
بالأقمشة الجصية بذات الطريقة . و بعد ستة شهور ، صرّح جميع هؤلاء الرجال بأن الألم قد زال تماماً .
ألا يعكس هذا مدى تأثير العقل على الجسد من خلال حالة الوعي ( قوة الإيمان ) ؟. أي
أنك إذا أمنت بأنك تستحق الصحّة الجيدة و توقّعت حصول ذلك فإنه سيحصل فعلاً ..
و يتجسّد كواقع حقيقي و ليس وهم ! .
إذا كانت هذه الفكرة غير صحيحة ، فكيف إذاً نفسّر مفعول "بلاسيبو" ؟ .
لكن الجواب على هذه المسألة ظهر منذ أكثر من ألفي عام ، حيث قال أبوقراط والد الطب :
"العقل هو الشافي الأكبر" ! إذاً ، فالمخطوطات القديمة التي ذكرت هذا الموضوع ليست
كلام فارغ و لا خزعبلات !.
و إذا ألقينا نظرة سريعة على تاريخ الطب و تفحصنا الأساليب العلاجية التي اتبعها أسلافنا
القدماء ، سوف نكتشف أن هذه الأدوية و طرق العلاج البدائية لم تكن سوى مفعول بلاسيبو
لا أكثر ولا أقل . فكان الفرد يشفى تماماً بعد خضوعه لمرحلة علاجية تتمثّل بتناول أدوية
محضّرة بطريقة عشوائية و ألله وحده يعلم ما هي محتوياتها ، أو عملية جرح في إحدى
مناطق جسده ( فيسيل بعض من الدم ) كافية لجعله يشعر بعدها بتحسّن واضح . و الحقيقة
هي أن هؤلاء الناس قد تماثلوا للشفاء ليس بفضل الدواء بل بفضل خضوعهم لفترة علاجية !
و هذا كافي لشعورهم بالتحسّن . خاصة و إن كانوا يؤمنون بفاعلية هذا العلاج أو الطبيب
الذي يشرف على هذا العلاج . ( هل لاحظتم أن الأطباء الشعبيين الأكثر نجاحاّ في علاج
المرضى ، غالباً ما يتصفون بقوة الشخصية والحضور و طلاقة اللسان ؟ هذه الصفات في
شخصيتهم هي بحد ذاتها الدواء الذي يقوم بالفعل الحقيقي و ليس المواد التي يصفونها للمرضى ) .
و في الحديث عن قوة الشخصية و الحضور ، يمكن أن نستشهد بتلك التقاليد التي تعود إلى
قرون ماضية ، تتمثّل بقدرة ملوك أوروبا على شفاء المرضى عن طريق اللمس !. وكانوا
يقومون بذلك في يوم واحد فقط ، و هو يوم تتويجهم على عروشهم ، أي بعد أن يتلقّى الملك
الأعطية المقدّسة من الله ! ( هذا ما كان يعتقد في حينها ) .
فكان ملوك فرنسا مثلاً يملكون مقدرة على شفاء المصابين بالتهاب العقد السلّية ، و هي عبارة
عن تقيّحات في الغدد اللمفاوية و سببها داء السلّ . فكان الملك يلمس دمامل المئات من المرضى الذين يقدمون له في يوم تتويجه ، شرط أن يردّد هؤلاء المرضى البؤساء عبارة :" الملك يلمسك ،
الله يشفيك ! " . و ذكر عن الملك لويس السادس عشر أنه لمس 2400 مريض في يوم تتويجه !
أما ملوك المجر ، فكانوا يشفون المصابين باليرقان ، و ملوك أسبانيا كانوا يشفون من هذيان الاستحواذ ، و ملوك إنكلترا كانوا يشفون من داء الصرع ! … و السبب الذي كان وراء شفاء
هؤلاء المرضى ليس الملوك و قدراتهم الإلهية المصطنعة ، بل الشعور بالرهبة و المهابة الذي
كان ينتاب هؤلاء المساكين في حضور الملك ، بالإضافة إلى إيمانهم المطلق بقدرته على الشفاء فعلاً .
و قد نلاحظ أمرأً آخر هو أن الأدوية التي كانت تستخدم في العصور الماضية ، و حتى في القرن
التاسع عشر ، أي منذ زمن قريب ، و التي كانت توصف من قبل أطباء علميين حقيقيين ، أصبحت تعتبر من قبل أطباء اليوم مواد خطيرة غير مناسبة لصحة الإنسان ، و مع ذلك كانت في حينها تشفي الناس و تنقذهم من أمراض مستعصية خطيرة ! .
أما اليوم ، في هذا العصر ، حيث التقدم الهائل الذي نشهده و خاصة في المجال الطبي ،
و أصبحنا نسمع أسماء و مصطلحات طبية جديدة ، مثل "الجينوم البشري" و "الاستنساخ" و "الحمض النووي" و غيرها من مصطلحات ، مما جعلنا هذا نشعر بأننا أكثر أماناً و قد نظن
أن الطب قد ترك ورائه تلك العصور المظلمة إلى الأبد . لكن بعد مئة عام من الآن ، أي في
العام 2104 م ، ماذا سيقول الأطباء عن وسائل اليوم العلاجية ؟ و كم من الأدوية الحاضرة
سوف تستخدم في ذلك الزمان ؟ أليس هذا ما يحصل دائماً عبر التاريخ ؟ . و لماذا ننتظر كل
هذه المدة حتى نحصل على جواب ؟ دعونا نتعرّف على بعض الإحصاءات التي أجريت في
ما تعتبر أعظم الدول و أكثرها تقدماً في العالم :
ـ 98.000 أمريكي يموتون سنوياً نتيجة أخطاء طبية و وسائل علاجية مختلفة غير مناسبة .
(المرجع: الأكاديمية الوطنية للعلاج ) .
ـ 106.000 أمريكي ماتوا في العام 1998م في المستشفيات نتيجة الآثار الجانبية للأدوية التي تناولوها .
( المرجع : مجلة الجمعية الطبية الأمريكية ) . و هذا يجعل عدد ضحايا الوصفات الطبية الخاطئة يحتلّون المركز الثالث للوفيات من ناحية العدد .
ـ 28 مليون أمريكي يعانون من أوجاع مزمنة و مستعصية . 61 في المائة من الأمريكيين
البالغين يعانون من الوزن الزائد . و ارتفاع عدد المصابين بمرض السكري وصل إلى مستويات خطيرة . تزايد كبير في عدد الذين يمرضون نتيجة إتباعهم أنظمة غذائية محددة وصفت لهم عن
طريق نصائح طبية . ( المرجع : الواشنطن بوست آذار / 2000 ) .
إن الحالة التي نتجت من التلاعب بالجينات الوراثية و الجينومات التي تدخل في تركيبتها ،
و الآثار الجانبية البعيدة المدى التي سببتها ، أصبحت واضحة غير مشكوك بها إطلاقاً .
( المرجع : المئات من المجلات و الأبحاث العلمية ! ) . لماذا ننتظر مئة عام حتى نتعرّف
على نتيجة التقدم الذي أحرزته الحضارة المزوّرة الحالية ؟ .
إن الحقائق و المعلومات المختلفة التي نتناولها بخصوص صحّتنا تتغيّر باستمرار مع مرور
الزمن ! إن المواد التي يقنعونا بأنها مفيدة اليوم ، قد تتغيّر غداً ! فيعودون و يصرّحون بأنها
خطيرة و ضارة بالصحّة ! . إن هذه المعلومات تتبدّل على الدوام ! هذه هي الحقيقة ! هذا هو الواقع الذي مرّت به أجيال و أجيال من البشر . فكانوا في الماضي البعيد يضعون ثقتهم المطلقة بيد الكهنة
و الشامانيين و حتى المشعوذيين ، و رغم ذلك كانوا يصحّون . أما الآن ، في هذا العصر ،
إننا نعطى ثقتنا لشركات الأدوية العالمية ، فهي المصدر الوحيد لصحّتنا و بقائنا على قيد الحياة !
تلك المؤسسات العملاقة التي همها الوحيد هو الحفاظ على مستوى أسهمها المرتفعة في البورصات التجارية . و طريقتها في تسويق أدويتها تشبه إلى حد بعيد أساليب الكهنة و المشعوذين ، لكن على نطاق أوسع و أظخم و أكثر وقعاً و تأثيراً على الشعوب . فالقائمين على هذه المؤسسات يجندون
جيوشاً من الأطباء و الخبراء الصحيين الذين يطلون علينا من خلال وساءل الإعلام المختلفة ، و يقولون لنا ما هو أفضل لصحتنا و ما هو عكس ذلك ، و يطلعونا على دراسات أقاموها ( بتمويل من شركات الأدوية ) ، تظهر لنا مدى هشاشة مناعتنا الصحية تجاه الأمراض ، فينصحونا بتناول أدوية جديدة توصّلوا إليها لإنقاذنا من تلك الحالات المرضية المرعبة !…
التاريخ يعيد نفسه ! لا شيء يتغيّر أبداً . و مع ذلك كله ، فإن الشعوب بقيت على هذه الأرض ،
و تمتعت بصحّة جيّدة ساعدتها في متابعة مسيرتها التاريخية الطويلة ، رغم تبدّل أساليب العلاج و طقوسه المختلفة و طرق تناول الأدوية . لكن شيئاً واحد فقط تغيّر ، هو فقدان الإنسان لإيمانه بنفسه ، في مرحلة معيّنة من مراحل التاريخ ، منذ أن سيطر على معتقداته أشخاص آخرون ، مشعوذون و كهنة و غيرهم ، و راحوا يملون عليه قناعات و معتقدات مختلفة ، فيطيعها دون وعي أو تفكير .
و راح الإنسان يقتنع مع مرور الوقت بأنه مخلوق ضعيف يحتاج إلى نصيحة دائماً ، خاصةً في ما يتعلّق بصحته .
فتنشأ أجيال كاملة ، على أفكار و معتقدات متوارثة من جيل إلى جيل ، قناعات كثيرة ،
غالباً ما تكون خاطئة ، تتحكّم بحالتنا الصحية حتى أصبحت هي المعيار الحقيقي لها .
إننا ننشأ على أفكار مثل : "لا تخرج في البرد حافي القدمين ، هذا سيسبب لك آلام في البطن ! "..
لكن هذه القناعة مترافقة مع قناعة أخرى هي عبارة عن الدواء الشافي : " في حال شعرت
بألم في البطن ، تناول النعنع المغلي ! " أو "تناول كذا و كذا !" ..
و تقول لنا الدراسات التي نشرتها شركات الأدوية : " لا تخرج تحت أشعة الشمس القوية ،
لأنها ستسبب آلام في الرأس و الجلد ، و هي عبارة عن أعراض لأمراض كثيرة كسرطانات
جلدية و دماغية مختلفة ! " و " في حال شعرت بأعراض إحدى هذه الأمراض ، تناول كذا
و كذا من منتوجاتنا ، للشفاء ! "..
إننا نتوارث هذه القناعات و الآلاف غيرها ، و نحتفظ بها في ذاكرتنا كما نحتفظ بأسمائنا ،
دون أن نعي ذلك إطلاقاً ! . و تقوم أجسادنا بتنفيذ هذه القناعات بحذافيرها ، يحصل ذلك بشكل لاإرادي ! .
أي إذا صادف و مشى أحدنا حافي القدمين على سطح بارد لسبب ما طارئ ، و لو لعدة دقائق فقط ، سوف يبدأ دافع خفي بداخله بالعمل و التفاعل ، دون أن يشعر بذلك ، و سوف يعاني فعلاً من آلام في البطن ! لكن ذلك الشيء الغامض في داخله لن يهدأ ، إنه يريد المسرحية أن تستمر إلى النهاية ، فيتناول الفرد قليلاً من النعنع المغلي ، أو أي دواء آخر مقتنع به ، فيكفّ ذلك الشيء الغامض عن التفاعل و يهدأ ، فيختفي وجع البطن و يستريح الفرد . إنها عبارة عن عملية برمجة حقيقية ، و يستوجب تنفيذها بكامل تفاصيلها دون إرادة أو تفكير .
و إذا صادف و بقي أحدنا تحت شمس قوية لفترة طويلة من الزمن ، يقول ذلك الشيء في داخله :
" لقد مضي وقت طويل لوجودي تحت الشمس ، حان وقت ألم الرأس ! " ، فيشعر الشخص
فعلاّ بوجع الرأس ! …. و هكذا .
و نستمرّ بهذا الحال ، أي تجاوب أجسامنا للقناعات التي تبرمجنا عليها ، إلى أن نواجه معلومات
جديدة عن صحتنا في مرحلة معيّنة في حياتنا ، يكون لهذه المعلومات أثر قوي في نفوسنا ،
مما يجعلنا نعدّل في تلك القناعات .
فيمكن أن نقوم باستبدال دواء النعنع المغلي ، المضاد لوجع البطن ، بدواء أكثر حضارة و علمانية ، مثل اللايبراكس الذي يوصفونه الأطباء ، فيقوم بتسكين الألم . لكن المسرحية تبقى ذاتها ، و الذي
يتبدّل هو الدواء . فالمعلومات التي نزوّد بها دائماً تخص الدواء ! ولا تخصنا نحن إطلاقاً ! فنحن لم نسمع من أي جهة من يقول لنا أننا أقوى من ما نحن عليه بكثير ، و أننا أقوى من هذه الحالات التي نتعرّض لها ، و هي ليست سوى تجسيد لقناعات مختلفة نشأنا عليها كما نشأت عليها أجيال سبقتنا .
هل السبب يعود إلى أننا فعلاً ضعفاء ، و البحث في هذا الموضوع لا يستحق العناء ؟ .
ربما الجواب يكمن عند الذين قاموا بالخدمة العسكرية ، و مروا بمرحلة الدورة التدريبية ، في
الشهور الثلاثة الأولى . حيث يجبرون المجندين على الوقوف في طقس شديد البرودة ، ليس فقط
حفاة القدمين ، بل شبه عراة ، و لفترات زمنية طويلة قد تمتدّ لساعات ! و نلاحظ بوضوح ذلك
الصراع بين القناعات التي تحكم الأفراد ، و الإيحاءات التي يطلقها المدرّبون ، فالأفراد يتذمرون
و يتمتمون "هذا برد قاتل " ، "سوف نموت من البرد " ، " أشعر بألم في بطني " .. و منهم
من ينهار تماماً ، و منهم من يصرخ باكياً ، وغيرها من ردود افعال . و في نفس الوقت ، نجد
المدرّب يصرخ بعبارات مثل : " أنتم وحوش " ، " أنتم لا تأبهون للبرد " ، أنتم أقوى من البرد
بكثير " ، و غيرها من عبارات مختلفة هي في الحقيقة ليست سوى إيحاءات تعمل على إعادة
برمجة ما يخزنه الأفراد من قناعات مختلفة . هذه الإيحاءات التي يطلقها المدربون تتشابه في
جميع جيوش الدول ، و كانت موجودة منذ عصور قديمة و معروفة منذ تلك الأزمان بدورات تأهيل الأجسام على قدرة التحمّل . لكن إذا نظرنا إلى هذه العملية من منظور آخر سوف نكتشف بأنها
عبارة عن دورات تأهيل القناعات بأن الأجسام تستطيع أن تتحمّل ! ( تبديل حالة الوعي ) ، لأن
هؤلاء الأفراد الذين يمرون بهذه الرياضات ، كالوقوف في طقس جليدي ، أو تحت أشعة الشمس الحارقة ، أو غيرها من أعمال ، يظهرون مناعة تامة بعد مرة أو مرتين من الخوض في هذه
التجربة ( الصعبة في البداية ) و تصبح حالة طبيعية فيما بعد ، و لا يكون لها إتعكاسات سلبية
كالمرض أو الألم أو غيرها ! فكل ما يعانون منه هو الملل بسبب مرور الوقت ببطئ ! .
أليس هذا ما يعلمونه في مدارس فنون القتال التي نشأت في الشرق الاقصى ، مثل دير "شاولينغ" في الصين مثلاً ، حيث يستخدمون طاقة الفكر في التحكّم بالألم و القدرة الجسدية الهائلة على التحمّل و السرعة و التغلّب على الخوف ؟ فيستطيعون كسر ألواح حجرية ظخمة بالأيدي و الأرجل و الرؤوس ، أو البقاء لمدة ساعات طويلة في وضعيات جسدية مختلفة دون أي شعور بالألم أو التعب ، و غير ذلك من أعمال مذهلة ؟ .
أما تلك الأعمال التي يقوم بها اليوغيون و التبتيون ، الذين يستطيعون خلال ممارسة تمارين تأملية معيّنة أن يتحكموا بوظيفة أي عضو من أعضاء جسدهم . فيمكنهم إبطاء عملية التنفّس إلى درجة إنعدامها ، أو إبطاء نبضات القلب أو تسريعها ، أو البقاء بدون طعام و شراب لفترات زمنية طويلة ، و منهم من يستطيع البقاء عارياً وسط الجليد (تكون درجة الحرارة دون الصفر) لساعات عديدة ، و غيرها من أعمال تعد خارجة عن المنطق المألوف ، كل ذلك بقوة الفكر . هذه حقائق لم تعد خفية على أحد هذه الأيام .
و هناك بعض الجماعات الصوفية المختلفة الذين يقوم رجالها بطقوس معيّنة كالرقص على إيقاعات موسيقية محدّدة كقرع الطبول ، و يرددون عبارات و تعويذات معيّنة ، ثم يقومون بغرس السيوف و أدوات أخرى حادة في مناطق مختلفة من أجسادهم ! دون أن يصابوا بأي أذى يذكر ! .
و هناك جماعات من القبائل التي تعيش حالياً في أفريقيا و جنوب شرق آسيا و بعض قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية و بعض القبائل القاطنين في حوض الأمازون في أمريكا الجنوبية و جماعات من شعوب "الأبوروجينال" في أستراليا ، تجمع بين هذه الجماعات تقاليد مشتركة يقومون بها في مناسبات مختلفة ، و لكل منها طقوس خاصة ، فيدخلون خلالها في غشية أو شبه غيبوبة ، ثم يقومون بتنفيذ أعمال خارقة لا يمكن تفسيرها ، كالمشي على الجمر الملتهب أو داخل النار ! أو يمشون على قطع من كسرات الزجاج الحادة ! و منهم من يأكل قطع الزجاج كأنها قطع من البسكويت ، و يبتلعون قطع من الجمر الملتهبة ، دون أن يصابوا بأي أذى يذكر ! .
الرقص داخل النار
أما بين المجتمعات المتحضّرة ، فيبدو أن هذه التقاليد لم تزول عند بعض أناسها ، و لازالت تعتبر تقاليد فولكلورية مقدّسة يقومون بها سنوياً . فإذا قمنا بزيارة لقرية "آبيا أيليني" في اليونان مثلاً ، و بالذات في إحدى أعياد هذه القرية ، و المسمى بيوم سانت قسطنطين و سانت هيلين ، سوف نجد اجتماع العشرات من رجال ونساء القرية في الساحة العامة و هم يرقصون رقصات صاخبة على أنغام القيثارة الأغريقية ، و بعد فترة من الرقص ، تتقدم مجاميع الراقصين ، الواحد تلو الآخر ، نحو أكوام متّقدة من الفحم الحجري ، فيتماسكون مع بعضهم بالأيدي ، ثم يتقدمون ليسيروا فوق هذا الجمر الملتهب سيراً بطيئاً ، يغنون و ينشدون الأناشيد ، و كأنهم يسيرون
على مروج خضراء يانعة ! فيخرجون بعدها من هذا المسير الجهنّمي دون أن يمسّ أي منهم بأذى ! . و قد أقيم العديد من الأبحاث و الدراسات العلمية في محاولة تفسير هذه الظاهرة العجيبة و معرفة سبب عدم احتراق أرجل هؤلاء الناس أو أجسامهم ، لكنها عجزت عن ذلك تماماً .
نلاحظ وجود قاسم مشترك يجمع بين هؤلاء الذين ذكرناهم ، اليوغيون و التبتيون و الصوفيون و البدائيون و كل من يقوم بهذه الأعمال الخارقة ، هذا القاسم المشترك يتمثّل بحالة الغشية أو الشبه غيبوبة الوقتية التي يدخلون فيها قبل توجيه طاقة معيّنة تمكنهم من القيام بهذه الأعمال . أما في حالة التنويم المغناطيسي ، فيتم توجيه هذه الطاقة عن طريق الإيحاءات التي يتليها الأطباء على الأشخاص .
ماذا نستنتج من هذا كله ؟.
ما هو السر الذي يكمن وراء هذه الظواهر ؟.
كل منا هو عبارة عن نظام خاص من الوعي .. مستقلّ عن غيره .. مبرمج حسب الظرف الاجتماعي و الفلكلوري و غيرها من أنظمة مختلفة ترعرع و نشأ فيها .
. كل منا يسير في الحياة وفق درجة معيّنة من القناعة بقدرة معيّنة .
. يتم تحديد هذه القدرة حسب نوع البرمجة التي تلقاها و تأثر بها وعينا و آمن بها …
كل منا هو نظام خاص من الطاقة … طاقة متدفقة في كياننا .. و يتم توجيهها بواسطة
وعينا ( حسب القناعات و المعتقدات )
و بواسطة هذا النظام الخاص الموجود في جوهرنا ، يمكننا فعل أي شيء ..
و نعالج أي شيء .. طالما أنها عبارة عن طاقة .. طاقة قابلة للتوجيه …
كل ما عليك هو التعرّف عليها … و إتقان طريقة استخدامها …
و من ثم توجيهها ……. .. و سوف تصنع المعجزات