بنات قريت هذا الموضوع في جريدة الاتحاد ويتكلم عن خطورة السمنة المركزية ….
من المعروف أن السمنة المركزية، أو السمنة المتمركزة حول البطن والخصر (الكرش)، تتسبب في ارتفاع احتمالات الإصابة بداء السكري، وبأمراض القلب والشرايين. وبالإضافة إلى هذه المضاعفات الخطيرة، وحسب دراسة نشرت الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (New England Journal of Medicine)، فإن السمنة المركزية تتسبب أيضاً في زيادة احتمالات الوفاة المبكرة بمقدار الضعف. فمن خلال متابعة 360 ألف شخص لمدة عشرة أعوام في عدد من الدول الأوروبية، ضمن إحدى أكبر وأطول الدراسات في العالم (European Prospective Investigation into Cancer and Nutrition)، اكتشف الأطباء أنه كلما ازداد حجم وكمية الدهون حول البطن، كلما ازدادت احتمالات الوفاة المبكرة، بغض النظر عن الوزن العام. وهو ما يعني أن الأشخاص أصحاب "الكروش" الكبيرة، حتى وإن كان وزنهم العام مقارباً للطبيعي، يتعرضون للوفاة في سن أصغر من البدناء الذين تتوزع دهونهم على جميع مناطق الجسم، وتتركز بشكل أقل حول بطونهم. أي أن وجود "الكرش"، حتى ولو كان الوزن العام طبيعياً، يزيد من احتمالات الوفاة المبكرة بشكل ملحوظ.
ويفسر البعض هذه العلاقة، وغيرها من المضاعفات التي ترتبط بالسمنة المركزية، على أنها نتيجة اختلاف طبيعة ونوعية الدهون بين السمنة العامة والسمنة المركزية. ففي السمنة العامة تتجمع الدهون في الطبقة النسيجية الموجودة بين الجلد والعضلات (Subcutaneous Fat)، المعنية بتخزين الدهون في الأحوال الطبيعية. أما في السمنة المركزية، أو السمنة الأحشائية (Visceral Fat)، فتتجمع الدهون حول الأحشاء والأعضاء الداخلية، مثل الكبد والبنكرياس والأمعاء. وهو ما يدفعنا لتخيل الأعضاء الموجودة في البطن في تلك الحالات، كما لو كانت مغموسة في صفيحة من السمن والدهن، لأيام، أو شهور، أو سنين عديدة. وهو ربما أيضاً ما يفسر العلاقة الوطيدة بين السمنة المركزية، وبين أمراض القلب والذبحة الصدرية، وأمراض الشرايين والسكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة مقاومة الجسم للإنسولين، واحتمالات الإصابة بمرض السكري بقدر كبير. وهذه العلاقة الملموسة بين السمنة المركزية وبين السكري، ربما يكون سببها أن الأنسجة الدهنية الموجودة في البطن تفرز مجموعة من الهرمونات (Adipokines)، تؤثر على مستوى الجلوكوز في الدم، وتؤدي إلى زيادة مقاومة الجسم لهرمون الإنسولين. ومن المعروف والثابت أن مقاومة الجسم للإنسولين تعتبر إحدى أهم الخصائص المميزة لمرضى السكري إلى درجة أنها تعتبر من المراحل الأولى للمرض، وأحد معايير التشخيص المبكر.
ومقاومة الإنسولين هذه ليست مسؤولة فقط عن الإصابة بداء السكري، بل إن لها دخلاً في حزمة متنوعة من الأمراض، تدرج حالياً جميعها تحت ما يعرف بالمنظومة الأيضية، أو متلازمة الاستقلاب (Metabolic Syndrome). ويعود توصيف هذه المنظومة إلى عقد السبعينيات، إلا أن شهرتها وانتشارها في الوسط الطبي يعودان بالتحديد إلى عام 1988، عندما تم التنبه إلى أن السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم هي نتيجة لمقاومة الجسم لمفعول هرمون الإنسولين. وهو ما يفسر أن بعض الأشخاص المصابين بالسكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو السمنة، قد يكونون مصابين باثنين أو أكثر من هذه الأمراض الثلاثة في الوقت نفسه. ولذا نجد أن من المعتاد والشائع أن نسمع بأن شخصاً ما، مصاباً بالسمنة والسكري، أو السكري وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم معاً. والمشكلة في أن كل واحد من هذه الأمراض يؤدي إلى تلف في الشرايين، إلا أن هذا التلف يتضاعف عدة مرات في حالة وجودها معاً. وهو ما يجعل الأشخاص المصابين بأكثر من مرض من هذه الأمراض الثلاثة، أشد عرضة للوفاة من الذبحة الصدرية، أو السكتة الدماغية، أو غيرها من الأمراض التي ترتبط بانسداد الشرايين وتصلب جدرانها. ولذا ففي مثل تلك الحالات، لا تشخص حالة هذا المريض على أنه مصاب بالسكري، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، كلًا على حدة، بل على أنه مصاب بالمنظومة الأيضية مجتمعة، والتي تعرف أحياناً بمنظومة مقاومة الجسم للأنسولين. وتأتي هذه التسمية بسبب التركيز العالي من هرمون الإنسولين في الدم، دون أن تستجيب الخلايا لمفعوله.
وبما أن السمنة المركزية، وما ينتج عنها من مقاومة للإنسولين ومنظومة أيضية، هي ببساطة نتيجة تناول كميات من الطعام أكبر من احتياجات الفرد، ولتميز نمط الحياة العام بالكسل والخلو من النشاط البدني، تتلخص الوقاية منها في خفض المتناول يومياً من السعرات الحرارية، مع ممارسة النشاط البدني والرياضي، كوسيلة لحرق الدهون، وتخليص الجسم من السمنة الزائدة. وفي الحالات الشديدة، يمكن للمريض الاعتماد على العقاقير التي تساعد على خسارة الوزن بمعدلات أكبر. وإذا ما كان الشخص قد أصيب بالسكري بالفعل، يمكن الاعتماد حينها على العقاقير التي تزيد من حساسية الجسم للإنسولين، وتؤدي إلى تنظيم مستوى السكر في الدم. وبعض هذه العقاقير، على رغم أنها قد تزيد من الوزن العام، إلا أنها تقلل من الوزن المرضي الباثولوجي الناتج عن تركز الدهون حول الأحشاء. أما الاعتقادات الشائعة بأن الكرش هو نتيجة شرب المياه أو العصائر، أو الكحوليات بشكل كبير، فهي اعتقادات خاطئة تماماً، مثلها في ذلك مثل الاعتقاد بأن ممارسة تمارين تقوية عضلات البطن، سيؤدي إلى التخلص من الكرش تلقائياً.
د. أكمل عبدالحكيم
منقول عن جريدة الاتحاد
وربي لا هااااانج ….