___________________
النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وهي التي تكون من الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف، إذا طال الوقوف على أهل الموقف التمسوا من يشفع لهم إلى الله في القضاء بينهم، وإراحتهم من الموقف، فيأتون إلى آدم عليه السلام ثمّ إلى الأنبياء نبيًّا نبيًّا كلهم يعتذرون، حتى ينتهوا إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم، فيقول: "أنا لها، أنا لها" ثمّ يخر ساجداً بين يدي ربه عزّ وجل، ويفتح الله عليه بمحامد، فلا يزال ساجداً حتى يقال له: "يا محمَّد ارفع رأسك، وسَلْ تعط، واشفع تشفّع"، هذا فيه أن الرسول لا يشفع ابتداءً، وإنما يشفع بعد الاستئذان، بعد أن يخر ساجداً لله، ولا يشفع إلاّ بعد أن يؤذن له، ويقال: اشفع تشفّع، ثمّ يشفع في أهل الموقف، فيحاسبون، ثمّ ينصرفون من الموقف إما إلى الجنة وإما إلى النار.
هذه الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي قال تعالى فيه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}، لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون -عليه الصلاة والسلام-، وهذه لم يخالف فيها أحد وحقيقتها أن الخلائق يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بأن يريحهم من الموقف الطويل.
النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة في أن يدّخلوا الجنة.
النوع الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في بعض أهل الجنة في رفعة درجاتهم في الجنة.
النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمّه أبي طالب، وذلك أن أبا طالب كانت مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأييده له، وحمايته من أذى قومه، كلها معروفة، وأنه صبر معه على الأذى وعلى الحصار والضيّق، فهو بذل مع الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً عظيماً من الحماية والنُّصرة والدفاع عنه، وهذا من تسخير الله سبحانه وتعالى، وتيسير الله، حيث سخّر هذا الكافر لحماية النبي صلى الله عليه وسلم، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته، ودخوله في الإسلام، حتى إنه زاره وهو يُحتضر، وقال له: "يا عم، قل: لا إله إلاّ الله، كلمة أحاج لك بها عند الله" إلاّ أنه كان عنده حَضْرة من المشركين قالوا له: أترغب عن مِلّة عبد المطلب؟. فأخذته النّخوة- والعياذ بالله-، والحَمِيَّة الجاهلية وقال: هو على ملّة عبد المطلب، ومات ولم يقل لا إله إلاّ الله، فصار من أهل النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع له في تخفيف العذاب عنه يوم القيامة، لا في إخراجه من النار، فلا يتعارض هذا مع قوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ(48)}، لأنها لم تنفع أبا طالب بالخروج من النار، وإنما نفعته في تخفيف العذاب عنه.
النوع الخامس: الشفاعة فيمن استحق النار من أهل التّوحيد أن لا يدخلها.
النوع السادس: الشفاعة فيمن دخل النار من أهل التّوحيد أن يخرج منها، وهاتان الشفاعتان الأخيرتان ليستا خاصتين بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هما عامتان في الأنبياء والأولياء، والصالحين، والأفراط. فالأولياء يشفعون، والصالحون، والأفراط- وهم الأولاد الصغار- يشفعون لآبائهم.
باب الشفاعة