وذات مساءٍ كانَ اللقاءُ على أرضِ الواقعِ ، فكانَت هذه الكلمات .
جاءَ الشِّتاءُ يجَرُّ ثوبَه المُبلل ، ومُزنه التي لا يحلو لها السُكنى إلا في السَّماء ..
جاءَ فتوارَت أَشِعَّة الشمس المُلتهبة في حياءٍ ، وسَرَت في الضُّلوعِ رعشة بَرد !
احتَضنتُ نفسي بيديَّ ورحتُ أُمرّر كفيَّ على جسدِي لأبعث الحرارة في أوصالي علّني أشعرُ بالدِّفْءِ .
كنتُ سعيدة رغم البَرد ، بل كنتُ سعيدة بزيارةِ البَرد !
حملتُ حقيبة كُتبي ، وتوجَّهتُ إلى دار القرآن الكريم ، تلكَ البُقعة المُباركة التي تُهدي ضيوفها أجملَ الهَدايا : سكينة وهدوءً وقبسًا من عِلم يُنير بَصيرتهم قبل بصائرهم .
في طريقي رحتُ أسْتَرقُ النظر إلى السَّماء المُنبسطة أمامي ، ما زالت كما عهدتُها زرقاء عالية إلا أنَّها لم تكن صافية ، فالغيم الأبيض تسلَّـل إلى كَبِدها فكساها وقارًا .
ابتسمتُ وأنا أتذكّر كيفَ وقفتُ أمامَ المرآة ـ قبلَ خُروجي مِن المنزلِ ـ لأطمئن على مَظهري ، ولأرى كيف أبدو ، فالليلة موعد اللقاء الأول ، ومَن مِنا لا يُدرك قيمة اللَّقاء الأوَّل وأثره الذي يُحفر في فِكرِ وقلبِ الطرفِ الآخر !
لكنَّني ـ وقبل أن يطولَ وقوفي ـ حدّقت في تلك السيّدة التي تطلّ عليَّ من المرآة …
إنها هي ؛ نعم …
أعرفها جيدًا ؛ أعرف أنَّها تحبّ أن تكون المُسلمة أنيقة مُرتَّبة ، إلى جانب التزامها بدينها وتحلَّيها بالأخلاق الحميدةِ ، وأعرفُ أيضًا أنَّها تؤمن بأن الجَمال جَمال الرُّوح لا الجَسَد ، فكم من قوالبٍ ساحرةٍ عندما تقتربَ مِنها مفتونًا ترجع القَهقرى مَصدومًا من هول ما رأيت : دَمامة خُلق ، وسوءِ مَعشَر !
ما زالت الابتسامة عالقة على ثغري ، وأنا ما زلتُ هائمة مع هواجسي : تُرى كيف سيكون اللقاء ؟
فـ"الأترجة" لا تعلم أنني على علم بزيارتها إلى مركزي ، لم أخبرها أن "وردة الإسلام" أخبرَتني الخبَر ، الذي كان مفاجأةً بالنسبة إليّ ، لقد أرادت أن تفاجئني لكن الله أراد أمرًا آخر فأتمّه ، سبحانه !
توقَّفت السَّيارةُ معلنةً أنَّنا قد وصلنا ، فطويتُ حبلَ أفكاري وحملتُ حقيبتي وتوجَّهتُ إلى قاعة الدَّرسِ .
مرّت الحصة الأولى وقد نعمنا بتلاوة القرآن الكريم وسماعه في جو خاشع مَهيب ، ثم قمنا لأداء صلاة المغرب طاعةً لأمرِ ربِّنا .
أقبلت عليّ "وردة الإسلام" في حبور : – لقد وصلتا ، وهما في غرفة مديرة المركز !
– مَن ؟! ، ألم تخبريني أن أختنا "الأترجة" هي من ستزورنا فقط ؟!
– بلى ، لكنّها اصطحبت معها أختنا "لآلـ القرآن ـئ" ، وقد سألتني أن احزر من تكون ، فحزرت .
– وكيف سأحزر أنا ؟ أعطيني علامة فارقة .
– الأطول هي أختنا "لآلـ القرآن ـئ" ؛ هيّا ألا تريدين الذهاب للقائهما ؟
– بلى أريد .
– سأدعو أمي لتذهب معنا .
– حسنًا ، هذا أفضل ، فمع الجماعةِ يتشَّجع الخَجول !
مضينا نحو حجرة مديرة المركز ـ وهي سيدة فاضلة كسبت حبّنا واحترامنا بحسن خلقها وتعاملها ـ وصلنا بسلام ، فكانت "وردة الإسلام" أول الداخلات ، ألقت التحيّة كي تلفت الانتباه إلينا ، فارتسمت أعذب الابتسامات على الوجوه ، وهبّ الجميع وقوفًا .
كنتُ كمن يحلّق في حُلم ، فتركتُ لنفسي العَنان لتتصرّف على سجيّتها ، فكان السَّلام الودود ، والقُبل الحانية ونظرة "الأترجة" التي يَشعّ بريقها حبًّا وأخوَّة ، أما "لآلـ القرآن ـئ" فسَلَّمَت عليّ بحرارة المُحبّ دونَ أن تعرف مَن أكون !
سألتني بعد السَّلام بودٍّ : – مَن ؟
– رجاء .
ولوهلةٍ شَعرتُ أنَّها لم تَربط بعد بين "رجاء" و "خيوط الفجر" ، فبادرتُها : – خيوط الفجر .
فافترّ الثغر عن ابتسامةٍ أعذب من سابِقتها ، وانهالت كلمات التَّرحيب .
جمَعَنا اللِّقاء لمدة دقيقتين أو ثلاث لا أكثر ، فقد حانَ موعد الحصة الثانية ، حصة التَّجويد ، ومُدرِّسة التَّجويد حريصة على مادتِها ، وتشعر بالضِّيق إذا وجَدَت منا إهمالا …
لكننّا لا نريد الذّهاب ، فما العمل ؟!
كان الحديث سريعا ، اختلطت فيه الأصوات ، وتَشابَكت المواضيع حتى حَان وقت العودة إلى قاعة الدَّرس ، فاسْتأذنا وعدنا أدراجنا .
انتهت الحصَّة الأخيرة ، وبدأنا بلملمةِ أشيائنا استعدادًا للمُغادرة ، لكنَّ قلوبنا تتمنَّى لو تعود إلى غرفة المديرة لتلقاهما ، فما كان منّا إلا السَّمع والطَّاعة …
توجَّهنا إلى الإدارة وقبل أن نصل إلى الغرفة أخبرتنا المديرة ـ وهي مُغادرة ـ أنَّهما غادرَتا ، فشكرناها ، ومضينا في طريقنا .
التفتت إلي "وردة الإسلام" وقالت : – أشعرُ أنني أعرفهما منذ زمن !
– سبحان الله ، هي الأرواح الطيَّبة تألف وتُؤلَف ، كما أن صِدق المَسعى له ثمرته ؛ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من عاد مريضًا ، أو زار أخًا له في الله ناداه مناد : أن طبتَ وطابَ مَمشاك ، وتبوَّأت من الجنَّة مَنزلا "
– ما أعظم كرم الله !
نسمة باردة رفرفت حولنا فدغدغت وجنتيّ ، وذكّرتني بتلكَ الرَّعشة التي سَرَت في جَسَدِي صباحًا ، فانزَوَيتُ بين ثنايا الرّوح أتأمَّل جَمال شِتائي لهذا العام .
————————-
10388 – من عاد مريضا ، أو زار أخا له في الله ناداه مناد : أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا .
الراوي : أبو هريرة المحدث : الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2024
خلاصة الدرجة : حسن غريب .
السلام عليك و رحمة الله و بركاته
باتت قراءة كتاباتك أختي رجاء فضاء ممتعا , إن لم أقل أنه شغف و نهمة نتيجة الطرح الهادف و الأسلوب الراقي ,
وصف دقيق محبوك بكل سلاسة و انطلاقة مشاعر أخوية صادقة يشعر القارئ و كأنه طرف حاضر في ذلك المكان , نعم هم كذلك أهل الصفاء و الوداد تتوق للقياهم النفوس و تشتاق ,
نعم الرفقة الصالحة , تلك التي جمعها كتاب الله و علومه , همتها المعالي و عنوانها النصح و التآخي ,
رحل الكرى عن مقلتي و جفاني … وتقرحت لرحيلكم أجفاني
نعم المحبة يا سؤلي محبتكم … حب يقود إلى خير و إحسان
نفسي تتوق إلى اللقاء … فإنه يزداد عند لقائكم إيماني
قد كنت أطمع باجتماع دائم … و اليوم أقنع باللقاء ثواني
ما قلت زورا حين قلت أحبكم … ما الحب إلا في الرحمن
يفنى و يذهب كل حب كاذب … وتبدل الأشواق بالأضغان
أما إذا كان الوداد لخالقي … فهناك تحت العرش يلتقيان
كان لي في مرفأ الحرف إرساء , طاب المرفأ و طاب حارسه ..
نعم البستان ذاك الذي جمع تلك الرياحين ,
واسمحي لي يا خيوط الفجر , كلمة حق لا بد أن تقال ..
ليست مجاملة في شخصك , أو مبالغة في مدح حرفك , أو قصمة لظهرك , أو غلوا في شكرك ,
بل واجب و عرفان لما خط البنان , بتوفيق من الواحد الديان .
ما أحوج الميادين الأدبية المعاصرة إلى هذا النمط الكتابي , الذي مزج القصة بالدعوة, و فصاحة اللغة بسمو الهدف ,
بدل ما أصبحت تتخبطه أروقتنا من الأدب السوقي الذي عج بالترهات و أصبح خادما للنزوات بساقط العبارات , حتى غدا السكران شاعرا و التافه أديبا و المجنون مفكرا .
استمري في مسيرتك أخية سددك الله , و أطلقي العنان لذلك الجندي المرابط
فلا بد للكلمة أن تأتي أكلها ولو بعد حين ,
أسأل الله لك العون و التوفيق , ولك مني خالص الود و التقدير .
و دائما بانتظار المزيد منك إن شاء الله .
و كأني بدأت أقتنع أنه لا فصل أجمل من فصل الشتاء !!
العزيزة ربيع القلوب
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته
قال رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه ـ : « مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ معروفٌ
فَقَالَ لِفَاعِلِه جَزَاكَ الله خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ في الثَّنَاءِ »
وهل هناك معروف أفضل من كلمة طيّبة ودَعم كريم ؟!
كلمة طيّبة خرجت بصفاء وحبّ ، ودَعم كريم قُدِّمَ بنقاء و ودّ ..
جزاك الله خيرًا ـ يا غالية ـ وبارك فيكِ وفي عطائك ..
وأسأله ـ سبحانه ـ أن يحفظ قلبك طاهرًا نقيّا ، ليغدو الرّبيع له عنوان .
استمري في مسيرتك أخية سددك الله , و أطلقي العنان لذلك الجندي المرابط
فلا بد للكلمة أن تأتي أكلها ولو بعد حين .
أسأل الله من فضله …
مُستمرة ـ إن شاء الله ـ إلى ما شاء الله ، والله وليّ التوفيق .
لا تنسيني من صالح الدّعاء .
كأني بدأت أقتنع أنه لا فصل أجمل من فصل الشتاء !!
لن تندمي صدّقيني …
قال رسولُ الله ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : « الشتاءُ ربيعُ المُوْمِن ، قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ
وطالَ لَيْلُهُ فَقَامَ »
.. اللهم اغفِر لي ما لا يَعلمون ، ولا تؤاخِذني بما يقولون ، واجعلني خيرًا مما يظنون ..
دمتِ بخير وعطاء
تسلمين اختي لحروفج صدى جميل الله يوفقج ويحفظج يارب
تقبلي مروري واحترامي
أختي العزيزة سراب الشارجه
سلَّمك الله من كل شر ، ويا مرحبًا بكِ دائمًا .
جزاك الله خيرا لحضورك العذب وتشجيعك الكريم
دمتِ بخير
أختي العزيزة المها
رَفعَ الله قَدرك في الدّارين ، وجزاكِ خيرا لحضورك ودعمك الكريم .
دمتِ بخير