إن الذكر عبادة راقية، وقارئ القرآن الكريم يجد فيه أمرا حاسما بذكر الله وعدم الغفلة عنه، بل واستدامة هذا الذكر مع تجدد الزمان والمكان: “يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً” (الأحزاب: 41-42).
وقال تعالى: “وَاذْكُر ربكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُو وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن منَ الْغَافِلِينَ”. (الأعراف: 205).
وعن عبد الله بن بُسْر أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبّث به، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يزال لسانك رَطباً من ذكر الله” رواه الترمذي وقال حديث حسن.
إذاً يجب أن نلح في قضية الذكر، لأنه بالذكر يكون المرء مع الله وفي الحديث: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني” متفق عليه.
ومعية الله للعبد هي بداية كل خير، ففيها السبق وفيها الفلاح، ففي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبق المفرّدون” قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: “الذاكرون الله كثيراً والذاكرات” رواه مسلم.
وفي الذكر حياة القلوب ونقاء المشاعر، عن أبي موسى الأشعري عن النبي قال: “مثل الذي يَذكُر ربه والذي لا يذكره مثل الحيّ والميت” رواه البخاري
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليكِكُم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟” قالوا: بلى، قال: “ذكر الله تعالى” رواه الترمذي.
استشعار عظمة الله
ولقد حكى الله سبحانه عن المؤمنين وعن ثمرات ذكرهم لله وتفكرهم في خلقه فقال عز وجل عن دعائهم: “رَبنا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النارِ” (آل عمران: 191). أي أنهم بعد أن أذعنت قلوبهم للحق، ونطقت ألسنتهم بالقول الحسن، وتفكرت عقولهم في بدائع صنع الله تفكيرا سليما، استشعروا عظمة الله استشعاراً ملك عليهم جوارحهم، فرفعوا أكف الضراعة إلى الله بقولهم: ياربنا إنك ما خلقت هذا الخلق البديع العظيم الشأن عبثاً، أو عاريا من الحكمة، أو خالياً من المصلحة، “سُبْحَانَكَ” أي ننزهك تنزيها تاما عن كل ما لا يليق بك “فَقِنَا عَذَابَ النارِ” أي فوفقنا للعمل بما يرضيك، وأبعدنا عن عذاب النار.
إن الذكر والتفكر يعني معرفةً وإقرارا بحق الله تعالى، فكان نداؤهم لخالقهم عز وجل بلفظ “رَبنَا” اعترافا منهم بأنه هو مربيهم وخالقهم، فمن حقه عليهم أن يفردوه بالعبادة والخضوع.
ولعل الأثر العظيم هو الارتقاء بالضمير الإنساني، فقد جاء في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: “ورجل دعته امرأة ذاتُ منصب وجمال فقال إني أخاف الله”.
إن كره المعصية نقاء في الضمير، هذا النقاء في الضمير لا يأتي من فراغ، إنما يأتي من الإحساس بمعية الله ومراقبته التي تنشأ عن الذكر والتفكر. ومن الآثار العملية أيضا موقف الإنسان مع المال، فالإنسان يعشق المال ويحب جمعه وادخاره، وقد يظلم الناس فلا يعطيهم حقوقهم، لكن الله يطلب من الإنسان أن ينفقه وأن يرعى حق الله فيه، وحين يأتي إبليس ويَعده بالفقر، ويغريه بالبخل والظلم، يأتي الذكر الصحيح ليفك قيود البخل: “الشيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مغْفِرَةً منْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة: 268).
وكذلك موقف المرء مع نفسه، فالإنسان قد ينسى نفسه فينتفخ ويشعر بشيء من القوة، لأنه مفتون بنفسه أو وظيفته، فيأتي موقف الذكر: “لا حول ولا قوة إلا بالله” أي ليس لك حول ولا طول من ذاتك، الإنسان صفر بقواه الخاصة، وهذا معنى قول ابن عطاء الله السكندري: ما تيسر طلبٌ أنت طالبه بنفسك، وما توقف طلب أنت طالبه بربك.
ولا تعني معية الله لنا، العصمة من الخطأ، فالكل يخطئ ويصيب، لكن معية الله لنا تعني عاطفة تتحرك في قلوبنا نحوه سبحانه، تجعلنا نحتفي به وبدعائه ومناجاته.
إن القرب من الله معنى كبير، وإن ثمرات ذكر الله تعالى لا تُحصى ولا تعد، فقط علينا أن نجعل لأنفسنا أورادا يومية نحافظ عليها، بل لابد من التدريب على ذكر الله في كل وقت، وفي كل موقف، فبالذكر يعلو شأن الإنسان، وبالغفلة لا نجني إلا الشقاء.
يـــــــــزاج اللـــــــه كــــــــــل خير أختـــــــي~