لم تجد المعلمة (صبابة القهوة) ما ترد به على السيدة، وقفت تنظر إليها عاجزة عن الكلام، وعجلة الذاكرة تعود بها سنوات إلى الوراء، حينما كانت في الخامسة من عمرها وخرج الرجال من بيتهم ببلدة (عنك) بالمنطقة الشرقية، يحملون والدها على سواعدهم، ثم لم يعودوا به.
أسئلة كثيرة تفجرت حينها في عقل (سعيدة العمري) إلى أن تخرجت في المدرسة الثانوية، وأدركت أن الحياة لن تعطيها أكثر من ذلك، وأن عليها أن تعمل لتساعد أمها وإخوتها. فبدأت رحلة الشقاء حينما عملت في بيع القرطاسية بجامعة الملك فيصل بالخبر، تراقب الطالبات في طريقهن إلى المحاضرات التي حرمتها الفاقة من دخولها، لتتقاضى راتباً قدره ألف ريال، نصفها يذهب إلى سائق السيارة التي يوصلها من القرية إلى المدينة.
انتقلت سعيدة بأسرتها إلى الدمام ونظراً لإرتفاع ايجارات السكن في المدينة اضطرت أن تقبل بالعمل (مراسلة) في أحد المستوصفات بجانب وظيفتها، ولكنها لم تتحمل المعاناة والمضايقات التي لم تتوقف إلا برحيلها للمرة الأولى فيه ظل الرجل الذي أصبح زوجها، والذي كان يعمل (موظف أمن) براتب قدره 1200 ريال، ولم يكن في وسعها أن تشعر بالزهو أو حتى بكيانها أمام أهل خاطبها (عبد الله)، بعدما وجدت نفسها مضطرة من جديد لشغل وظيفة (عاملة نظافة) في مجمع لتأهيل المعاقين عام 2024 م.
تفاجأت سعيدة بطبيعة عملها الجديد، حيث كان عليها أن تخدم 30 طفلاً من ذوي الإعاقة الحركية والشلل الدماغي، كانت تتطلب بعض حالاتهم الحرجة حملهم لمسافات طويلة ووضعهم على الكراسي أو تبديل ملابسهم وتنظيفهم في دورات المياه. تقول سعيدة: "كنت فكرت في الاستقالة بسبب الآلام التي عانيتها في ظهري ورقبتي تذكرت ظروفي الصعبة والتزاماتي تجاه أمي وأخوتي، بالإضافة إلى محبة الأطفال وابتساماتهم وأعينهم التي كانت تشكرني حتى وإن كانوا لا يستطيعون الكلام".
بعد عامين أفرجت الحياة على استحياء عن ابتسامة جديدة لسعيدة حينما اتصل بها مشرف الأمن ليخبرنها بأنه يرغب في ترقيتها على إحدى الوظائف الشاغرة بالمجمع، الأمر الذي كان موضع ترحيب مشرفتها الأستاذة هيلدا إسماعيل، التي تخصصت في مساعدة الأفطفال والمحرومين، فمنحتها كل الدعم رغم حاجتها لعاملة نظافة، لكنها كانت تعلم أن سعيدة سيكون لها شأن عظيم إن انطلقت".
في عام 2024 م، انجبت سعيدة طفلتها الأولى (نورة) وقررت أن تكون أماً مختلفة حينما تكبر نورة لترى أمها شيئاً ناجحا ومثالاً يحتذى به وليست صبابة أو عاملة نظافة. فقررت دراسة الكمبيوتر التي حصلت على شهاداتها في استخداماته بتفوق، ثم أعانتها السيدة هيلدا إسماعيل مرة أخرى على العديد من الشهادات والدورات التي أهلتها لكيفية التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة، ودفعتها للتسجيل في الجامعة نفسها التي كانت تبيع فيها القرطاسية، إلى أن ابتسمت لها الحياة حين عملت (مساعدة معلمة) في الفصول التعليمية للأطفال، تلك الوظيفة التي قاتلت هيلدا لكي تقنع الإدارة بمنحها لـ"عاملة النظافة" سعيدة، التي أصبحت مؤهلة للغاية.
المعلمه سعيدة، فقد زوجها وظيفته، ثم مرضت أمها مرضاً خطيراً مفاجئاً، فاضطررت لقبول وظيفة (الصبابة) في الحفلات والأعراس والبيوت أحيانا؛ لتغطية نفقات الحياة. تقول سعيدة: "اعتدت رؤية زميلاتي المعلمات اللاتي كان بعضهن يرفض السلام عليّ حتى لا تهتز صورتهن الاجتماعية، وكنت كلما عدت للمنزل وأنا أبكي أرتمي في أحضان أمي التي كانت تقول لي: العيب أن نمد أيدينا للناس أو أن نرتكب الحرام.
اعتادت سعيدة على رؤية الأمهات والزميلات في الأعراس وهي تحمل القهوة، ولكنها تعلمت من والدتها ومشرفتها هيلدا، أن تقابل كل هذا بابتسامة كبيرة وأمل أكبر في مستقبل أفضل. واليوم، وبعد ستة عشر عاما من الأعمال المتعبة والشاقة والمهينة أحياناً، هاهي سعيدة في سنتها الثالثة بالجامعة، تحاول أن تتخطى آلام الماضي بطموحات الغد.
قصة لها أبعادها .
مشكورة عالطرح.
وانتي اختي لديك من الفطنة والذكاء الكثير لاختيارك لها
شكرا لك
نغزني قلبي، من عرفت انها قصة حقيقية!!
سبحان الله،حسن الظن بالله، لازم يكون مصاحب لكل مسلم
(إن مع العسر يسرا) .. نتذكرها ونبتسم
فالله قال مع وليس بعد.. يعني الفرج والتيسير اقرب مما نتخيل في كل امورنا
طمنينا،، شو نتايج الترشيح ومنو خذ الجايزة ?