افتقاد الحنان".. سر العلاقات الخاطئة
البحث عن قلب
في عالم الأسرة يخلط كثير من الناس بين مفهوم الولادة والتربية، فالوالدة هي من تلد، وهي مشتقة من الفعل "ولد"، ومنه أيضا "الوالد"؛ لأن الله جعله سببا في الولادة.
ومع سيادة هذا المفهوم، فإن كثيرين ينشغلون بلقمة العيش والسعي لإيجاد حياة كريمة لأبنائهم.
ويظنون أن هذه الحياة الكريمة هي حياة مادية فقط.
ومع إهمال التربية تضيع الكرامة التي يسعى الآباء إلى توفيرها لأبنائهم، وتبقى التربية والرعاية هي الفيصل، فإن الأبناء يتحملون جوع الطعام لحين، ولكنهم لا يتحملون جوع المشاعر والعواطف والرعاية والتربية.
في ظل غياب الوالد، مسافرا لأجل الحصول على لقمة عيش هنية، وغياب الأم عن دورها، يضيع الفتى وتضيع الفتاة، ربما تقع الفتاة في مهاوي الردى، ويترتب على ذلك مفاسد تعود بضررها على المجتمع، من إقامة العلاقات الخاطئة والضياع النفسي؛ مما يترتب عليه ضمور في بنية المجتمع، وانحلال في أخلاقه، وتعويق عن تطوره في إطاره الاجتماعي.
ففتاة عندها من العمر (28) عاما، في الفرقة الثانية من الجامعة، والدها مسافر إلى إحدى الدول الخليجية، ويتركها وأمها وأخاها الأصغر، أمها لاهية في شئونها، تحاول أن تعوض الزوج المفتقد من خلال العلاقات الخاطئة.
وليكن الأمر أصدق تعبيرا؛ أنقل كلامها عن أمها، ذكرته لنا في رسالة طويلة على صفحة الاستشارات الإيمانية.
فتقول: "أمي أصغر من أبي بـ16 سنة، جميلة، كانت مطمعا لكثير من الناس، كنت دائمة الشجار معها بسبب تصديقها لأي شخص يتقرب منها وتعطيه أسرار بيتنا، وتدخله البيت. وقد أعطى هذا انطباعا سيئا عن بيتنا وأمي وإخوتي. كانت تصلني خطابات من مجهول أنها على علاقة بأشخاص معينين، والله أعلم بالحقيقة، تشاجرت معها ومنعتهم من دخول بيتنا".
وإذا كان البيت أساسه الوالدان، فكيف يستقيم والوالد مهموم بتحقيق شيء من الثراء أو الحياة بمستوى اجتماعي أعلى، وقد يكون هذا ليس خطأ في كل الأحوال، ولكنه يصير خطأ إن لم يكن هناك نوع من التوازن الاجتماعي، والقيام بالواجبات تجاه كل من لهم حق، تحقيقا لسنة التوازن التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
وهذا ما نستشفه أيضا من حديث سلمان الفارسي حين وجد أبا الدرداء يهتم بجانب العبادة من الصوم والصلاة والقيام وقراءة القرآن، غير أنه مقصر في حق زوجته، حتى رأى سلمان زوجة أبي الدرداء مبتذلة في ثيابها، وحين سألها عن هذا قالت: "إن أخاك لا حاجة له في الدنيا"، فطلب منها أن تجهز طعاما، فلما جهزته طلب سلمان –رضي الله عنه– من أبي الدرداء أن يأكل معه، فأخبره أنه صائم، ولكنه أصر على أن يفطر من صيام النافلة ويأكل معه، ففعل.
ولما كان من الليل قام أبو الدرداء يقوم الليل، فقال له سلمان: "نم الآن"، فلما كان قبل الفجر بساعة، قال له: "الآن فقم" فصليا معا، ثم قال سلمان لأبي الدرداء: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه".
وكأن الصحابة – رضوان الله عليهم – لما عرفوا ذلك اعترضوا على ما يفعله سلمان، فكيف يجعله يترك صيام النافلة وقيام الليل، فحين ذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "صدق سلمان".
وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس التوازن في حياتهم، وأن التقرب إلى الله والقيام بالواجب لا يقف عند إطعام الجائع وكسوة العاري ومداواة المريض، ولكن هناك واجبات أخرى يجب القيام بها. ولهذا نلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الإطعام والقيام بالمسئوليات المادية يقول: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، وفي رواية أخرى: "من يعول".
أما في مقام التربية؛ فإنه يجعل تربية البنات بابا إلى جنة الله تعالى، وفي الحديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار".
وفي حديث ابن عباس فيما أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن عال ثلاث بنات فأنفق عليهن ورحمهن وأحسن أدبهن أدخله الله الجنة، قيل أو اثنتين؟ قال: أو اثنتين".
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثواب التربية بما فيها الإنفاق طريقا إلى جنة الله، وسترا من عذاب الله، أما في مجال الإنفاق المادي فإنه يحذر من تركه.
ولهذا فللآباء أن يسافروا بشرط أن يكن هناك اتفاق مع الزوجة على كيفية التربية وإدارة البيت، وأن يكن على تواصل دائم معهم، وبينه وبين أولاده صحبة وصداقة.
فإن أعوزته الحاجة للسفر بجسده، فهو موجود بروحه دائما مع أبنائه في البيت، وتقوم الأم أيضا بجزء من هذا بالتذكير بالوالد وفضله، وبالرعاية والتربية والصحبة لأولادها ذكورا وإناثا.
كما أن على الأم أيضا أن تقوم بواجبها كزوجة تحفظ زوجها في غيبته، ولا تدخل بيته أحدا يكره، ولا تنشئ علاقات سيئة خاطئة مع الرجال، حتى لا تقع في خيانة يحرمها الله تعالى، إذ تراقب المؤمنة الله تعالى في أعمالها كأنها تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه سبحانه يراها.
ومع كون هذه البنت ترفض ما تراه من أمها من إنشاء العلاقات المحرمة وسعيها الحميد لطرد هؤلاء الرجال من البيت، غير أنها وقعت في مثل ما وقعت فيه أمها، بل أشد. وهذا يعني أن الأم أورثت ابنتها تقاليد خاطئة وأفعالا مذمومة دون أن تدعوها إليه.
ففي مثل هذا الجو؛ حيث لا تجد البنت لا والدا ولا والدة، يتقرب إليها شاب يقف بجوارها – كما ترى هي-، وترى فيه أنه الذي كان معها حين تخلى عنها الناس، ومع هذا وقعت معه في خطيئة تصل إلى حد التعري وهتك ستر الحياء، وإن لم تصل إلى حد الكبيرة.
بل يصل الأمر إلى الغضب لإبعاده عنها، ففي ظل غياب المربي تزل الأقدام وتنحرف القلوب وينقلب الحرام مباحا بلا حدود، ويحدث ما لا تحمد عقباه تحت الستار المظلوم (الحب)، فهي تقول: "تقرب منى شخص من بلدي، أحبني.. وقف بجواري في ظروفي.. " فهل كل من وقف بجوار أحد فهو يحبه حبا عاطفيا!
وفي ظل هذا الجو؛ تختلط المفاهيم ويصبح العرفان والجميل حبًّا، وتتناسى طبيعة العلاقة بين شخص غريب عنها، بل تنقم على المجتمع حين يعلن رفضه لهذا الشكل من العلاقة: "عندما شعر الناس بتقرب هذا الشخص مني أخذوا يفسدون علينا حياتنا بإرسال خطابات له سيئة عنا".
فالمجتمع حين رفض هذه العلاقة أفسد عليهما حياتهما كأنهما زوجان، ويبقى البطل معها رغم كل هذا: "وهو بجواري لتأكده من طيب أخلاقي".
منقول