18/05/2002
مدحت الأزهري
التحكم في نوع الجنين لا يعد منافاة أو تحديا لإرادة الله
"يا رب ولد.. يا رب بنت" رغبات وأمنيات لا تنتهي إلا بانتهاء البشرية. وإذا كان العلم قد أثبت إمكانية اختيار نوع المولود فإن هبة الله تبقى دائما وأبدا لمن يشاء. فالتدخل في العوامل الطبيعية للوراثة والتكاثر وتوجيهها بالإرادة البشرية لتحقيق رغبات معينة كمنع الحمل المتاح وتحقيق الإنجاب الممتنع والتحكم في صفات الجنين ونوعه وغير ذلك من التقنيات -لا يمثل منافاة أو تحديا لإرادة الله عز وجل ومشيئته كما يعتقد البعض، وإنما يدخل الإتيان بمثل هذه الأفعال في دائرة الإرادة الشرعية (افعل ولا تفعل) فما كان من هذه الأفعال ضمن الفضائل المتضمنة مصالح العباد فهو موافق للإرادة الشرعية، وما كان منها من القبائح المتضمنة فساد البلاد والعباد فهو مخالف للإرادة الشرعية.
وكل الأفعال الموافقة للإرادة الشرعية أو المخالفة لها جائزة الوقوع عقلا وممكنة الحدوث في الطبع والعادة، وتخضع للأحكام التكليفية من حيث الإباحة والمنع في الدنيا، ولقاعدة الثواب والعقاب عند الله عز وجل في الآخرة. كما أن إدراك النتيجة وتحقق الهدف الذي يتم السعي إليه بهذه الأفعال، سواء كان موافقا للإرادة الشرعية أو مخالفا لها مرهون بإرادة الله عز وجل، ولا يتأتى مجرد تصور منافاتها. فإما أن يقع ما تم السعي إليه كنتيجة للأسباب فيكون ما حدث هو الموافق للإرادة الكونية، بل هو عين مرادها، وإما أن تتخلف النتائج عن الأسباب فيكون أيضا عدم الحدوث هو الموافق لإرادة الله ومشيئته.
كان هذا هو ما ذكره الدكتور "السيد محمود مهران" في الدراسة العلمية التي نال بها درجة الدكتوراه في الفقه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بعنوان: "الأحكام الشرعية والقانونية للتدخل في عوامل الوراثة والتكاثر" والتي تضمنت دراسة مسهبة لوسائل وتقنيات الاختيار المسبق لنوع الجنين وفقاً لأحدث النظريات العلمية في هذا المجال من النواحي الطبية والشرعية والقانونية.
برمجة الجماع .. استغلال للخصائص الطبيعية
بييضة حولها مجموعة من الحيوانات المنوية تحاول إخصابها
من المعروف علميا أن الأب هو المسئول عن تحديد نوع الجنين وليس الأم، فحيواناته المنوية تحمل نوعين من الكروموسومات الجنسية – بعضها يحمل الكروموسوم الجنسي "X"، بينما يحمل البعض الآخر الكروموسوم الجنسي "Y". في حين تحمل بييضات المرأة نوعا واحدا من الكروموسومات الجنسية؛ وهو "X" فقط.
وعند حدوث الإخصاب في أعلى قناة فالوب بين حيوان منوي يحمل الكروموسوم "Y" والبييضة التي بطبيعتها تحمل الكروموسوم "X" يتكون جنين ذكر.
أما إذا التقى حيوان منوي يحمل الكروموسوم "X" مع البييضة فيتكون جنين أنثى.
ومن الأساليب المتعددة التي يمكن للزوجين عن طريقها الاختيار المسبق لنوع الجنين برمجة الجماع؛ بحيث يتم في توقيتات محددة. وتعتمد هذه الطريقة على الخصائص الطبيعية التي أودعها الله في خلقه، بحيث تؤدي كل منها وظيفة بعينها، يؤهلها لها ما تتميز به من خصائص كسرعة الحركة والقدرة على مقاومة حموضة إفرازات الجهاز التناسلي للمرأة؛ حيث إن الحيوان المنوي المذكر (الذي يحمل الكروموسوم "Y") أسرع حركة من المؤنث (الذي يحمل الكروموسوم "X") ولكنه أقل قدرة على تحمل حموضة الإفرازات؛ ولذلك فهو يموت بعد يوم واحد تقريبا إن لم يتمكن من تلقيح البييضة، بينما يستطيع الحيوان المنوي المؤنث أن يمكث في انتظار البييضة أو في الطريق إليها أكثر من خمسة أيام.
لذا يُنصح الراغبون في إنجاب الذكور بأن يجامعوا زوجاتهم يوم الإباضة (في دورات الطمث المنتظمة اليوم الرابع عشر من الدورة التالية) فهو أنسب الأوقات لإنجاب الذكور؛ حيث تكون فرصة الحيوان المنوي المذكر مواتية في الوصول إلي البييضة قبل الحيوان المؤنث. كما ينصحون بعدم تأخير الجماع إلى ما بعد اليوم الذي يلي يوم الإباضة؛ لأن البييضة لا تستمر صالحة للتخصيب أكثر من يومين من وقت الإباضة.
أما راغبو إنجاب الإناث فالأنسب أن يأتوا زوجاتهم قبل الإباضة بيومين أو ثلاثة؛ ليتوافق نزول البييضة مع وصول الحيوان المنوي إليها.
معالجة الإفرازات.. لترجيح نوع عن آخر
كذلك يمكن الاختيار المسبق لنوع الجنين بمعالجة إفرازات الجهاز التناسلي للمرأة -وهي إفرازات يغلب عليها أن تكون حمضية- لمنع الميكروبات والجراثيم من الولوج في الجهاز التناسلي للمرأة أو التعشيش فيه، إلا أن هذه الحموضة تؤدي إلى إعاقة الإنجاب بصفة عامة إذا زادت، وإعاقة إنجاب الذكور بصفة خاصة؛ لأن هذه الحموضة تقتل الحيوانات المنوية وخصوصا المذكر منها لأنها ضعيفة جدا في مقاومة الوسط الحمضي، أما المؤنثة فلديها قدرة أكبر على المقاومة؛ ولذا تنصح الراغبات في إنجاب الذكور بإجراء غسيل لجهازهن التناسلي قبل الجماع بمحلول قلوي مثل محلول بيكربونات الصوديوم لإتاحة فرصة أكبر للحيوان المنوي المذكر في الإسراع إلى البييضة وتلقيحها.
أما الراغبات في إنجاب الإناث فينصحن بالغسيل بمحلول الخل الأبيض أو نحو ذلك من المحاليل الحمضية للتأكد من هلاك الحيوانات المنوية المذكرة وإتاحة الفرصة للحيوانات المؤنثة لتخصيب البييضة.
غذاؤك يحدد نوع وليدك
نوع الغذاء يؤثر على مواقع الاستقبال في غشاء البييضة
وأضاف الدكتور "محمد بهائي السكري" – أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة الأزهر موضحًا التأثير الملموس للغذاء في تحديد نوع الجنين – أن جسم الإنسان يحتوي على أربعة معادن ملحية أساسية هي الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم، وأن هذه المعادن الأربعة تؤثر بطريقة ما على تركيب نطفة الذكورة، كما تؤثر في تكوين صبغات نواة البييضة؛ حيث إنه تبعا للنظام الغذائي المتبع تستطيع الأيونات المعدنية أن تحدث تغيرات أيضية من شأنها التأثير في غشاء البييضة على مستوى مواقع استقبال الحيوانات المنوية فتصبح قابلة للتأثر بالحيوانات المنوية وفقا لطبيعتها الذكرية أو الأنثوية.
ومن ثم فإن غذاء غنيا بالصوديوم والبوتاسيوم -مثل اللحوم والأسماك والسبانخ والخرشوف والمياه المعدنية الغنية بالصودا- يكون ملائما لميلاد الذكور، في حين أن غذاء غنيا بالكالسيوم والمغنيسيوم -مثل الألبان والبيض والمياه المعدنية الغنية بالكالسيوم- يسهل مجيء الإناث.
ويؤكد الدكتور محمد السكري أن العديد من مراكز الولادة المتقدمة في أنحاء العالم طبّقت هذه النظرية بعدما تقرر صلاحيتها رسميا في الملتقى الدولي لطب النساء والتوليد الذي انعقد في "بيتو" بفرنسا عام 1984. وكانت فرنسا قد طبقتها بنجاح لأول مرة عام 1973، حيث يخضع من يرغب في اختيار نوع الجنين لأنظمة غذائية معينة قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل. ويذكر أن نسبة نجاحها في عينات مراقبة طبيا بلغت 80.7%.
ويؤكد الدكتور السيد محمود مدرس الفقه الإسلامي بجامعة الأزهر أن اتّباع كل من وسيلة الجماع المبرمج أو معالجة الإفرازات، وكذلك اتباع نظام غذائي معين بغرض الاختيار المسبق لنوع الجنين لا شيء فيه، وأن هذا الأمر يخلو من المشاكل الشرعية؛ ومن ثم فإن حكمه الإباحة ما لم تتضمن تعليمات النظام الغذائي تعاطي أغذية محرمة، وما لم يمثل النظام الغذائي المتبع إخلالا بالصحة العامة للجسم، ويباح ذلك للأفراد، بينما تُحظر ممارسته في الجموع؛ ليتحقق التوازن الطبيعي بين النوعين والذي لا تستقيم الحياة إلا به.
منقول " إسلام أون لاين"