إن من أعظم الأشياء التي يسعى إليها المترقي في منازل الآخرة ، أن يكون حي القلب ، ولا خيرفي انسان قلبه ميتٌ فاقدٌ لحياته الحقيقية معرض للخسران وولوج النيران ان لم يغفرله الرحمن .
· أسباب حياة القلب :
1- كثرة قراءة القرآن ، وتدبره والعمل به .
– فإن القرآن نزل لحياة القلوب ، وهو بمنزلة المطر للأرض اليابسة الميتة
– فالأرض الميتة تحيا بالمطر ، والقلوب بالقرآن ، قال تعالى : { والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبُث لا يخرج إلا نكدا ، كذلك نفصل الآيات لقوم يشكرون } .
· قال الشيخ السعدي رحمه الله :
– وهذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة، كما أن الغيث مادة الحياة .
– فإن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها.
– وأما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيئا .
2- كثرة ذكر الله تعالى .. فإنه يحيي القلوب كثيراً .. قال صلى الله عليه وسلم : [ مثل الذي يذكر ربه والذي لايذكره ، مثل الحي والميت ] . رواه البخاري وللذكر فوائد كثيرة جدا ، راجع كتاب " الوابل الصيب " ابن القيم الجوزية .
· قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عليكم بذكر الله فإنه شفاء ، وإياكم وذكر الناس فإنه داء .
· قال الأسود بن يزيد رحمه الله : ما دام قلب الرجل يذكر الله عز وجل ، فهو في الصلاة ، وإن كان في السوق .
3- اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام .. ( في أقواله ، و أفعاله ، وأخلاقه ،وجميع أحواله) قال تعالى : { يـأيها الذين آمنو استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } .
فهذه الآية تصرح بأن ما يدعو إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فيه حياة قلبية ، وأن من أعرض عنه فإن الله يميت قلبه والعياذ بالله .
4- مجالس الوعظ : فإنها ترقق القلوب وتحييه . قال صلى الله عليه وسلم : [ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسون بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ] . رواه مسلم
5- و أعلى ما يحيى به القلوب ( الإيمان الصحيح ، والعمل الصالح ) . قال تعالى : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } . والمراد بها هنا حياة القلب نعيمه ، وسروره ، بالإيمان بالله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه .
– وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح ..
– وهذه الحياة الطيبة ، تكون في الدور الثلاث .. الدنيا ، والبرزخ ، والآخرة .
6- طلب العلم الشرعي .. قال الله تعالى : { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } .
· قال الشيخ السعدي رحمه الله : يقول تعالى: { أَوَمَنْ كَانَ } من قبل هداية الله له { مَيْتًا } في ظلمات الكفر،والجهل، والمعاصي، { فَأَحْيَيْنَاهُ } بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس في النور، متبصرا في أموره، مهتديا لسبيله، عارفا للخير مؤثرا له، مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره، عارفا بالشر مبغضا له، مجتهدا فيتركه وإزالته عن نفسه وعن غيره. أفيستوي هذا بمن هو في الظلمات،ظلمات الجهل والغي، والكفر والمعاصي.
· قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : والعلم حياة القلوب من الجهل .
7- ترك الذنوب : فإن الذنوب تميت القلوب .
· قال بعض العلماء : أهل المعاصي مرضى القلوب .
· وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله : ما أعجب الأشياء ؟ فقال : قلب عرف الله ثم عصاه .
· قال بن المبارك رحمه الله :
رأيت الذنوب تميت القلوب
وترك الذنوب حياة القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وخـير لنفسك عصيانها
· أنواع الذنوب :
1.ذنوب قلبية : ( كالكبر، والحسد ، وسوء الظن ، والرياء ، والعجب ، والغرور ، ….)
2.ذنوب قولية : ( كالغيبة ، والنميمة ، والكذب ،والسخرية ، والإستهزاء ، …. )
3.وذنوب فعلية : ( ترك الصلاة ، والزنى ، وأكل الحرام ، والسحر ، والتبرج، وعقوق الوالدين…… )
· قال ابن مسعود رضي الله عنه : أتدرون من ميت القلب الذي قيل فيه :
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
– قالوا : ومن هو ؟ قال : الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً .
· قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : { أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ، قال : يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار .
· من عقوبات الذنوب :قال ابن القيم رحمه الله : أنها تزيل النعم وتحل النقم ، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلت به نقمة إلا بذنب . قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ، و ولا رفع إلا بتوبة .
فانتبه ،وكن حساسا ودقيقا في تصرفاتك ، فإذا وقعت في مصيبة صغيرة كانت أو كبيرة ( اجتماعية ، أو مالية … ) فراجع نفسك ، فلعلك وقعت في ذنب ، فاستغفر الله وتب إليه حتى يرفع عنك هذه المصيبة .
· يدققون في ما يصيبهم :
· قال الحسن البصري رحمه الله :إن الرجل كان يشاك الشوكة يقول : إني لأعلم أنكِ بذنب ،وما ظلمني ربي عز وجل .
· و عن عمر رضي الله عنه : أنه انقطع شسعه فاسترجع وقال : كل ما ساءك مصيبة .
· و عن الأسود بن سريع أنه سمع أبو موسى أصواتهم في المسجد فقام ليأتيهم فانقطع شسعه فاسترجع فقال : ما انقطع شسعي إلا بذنب .
– الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم .
*كلمة الاسترجاع : أن يقول ( إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها )
*وهذا يقال عند كل مصيبة صغيرة أو كبيرة ، وليس خاصا بمن علمنا موته كما هو المعتاد عند كثير من الناس .
– عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : [ مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ] . قَالَتْ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .رواه مسلم
· مفاتيح القلوب : قال الإمام الشافعي رحمه الله : من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره ، فعليه :
– ترك الكلام فيما لا يعنيه .
– واجتناب المعاصي .
– أن يكون له أعمال صالحة لا يعلم بها أحد إلا الله .
– قلة الأكل .
– ترك مخالطة السفهاء .
– و بغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب .
· حكمة عجيبة : قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا ينبغي ان يستهان بقليل الطاعات ، فإن دوامها يؤثر ، وكذلك لا يستهان بقليل الذنوب .