ومهما بذل المترقي من الأعمال لكي يصل إلى أعلى درجات السائرين إلى الله ، ولم تكن عنده صفة " الإخلاص لله تعالى" ، فإن عمله وجهده ووقـتـه سيكون هباءً منثورا ولن يصل إلى الله….
· قال تعالى : { ألا لله الدين الخالص } , وقال سبحانه { فاعبد الله مخلصاً له الدين } .
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ] – رواه مسلم – .
· وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ] رواه النسائي .
· و أما آثار السلف في الإخلاص :
1) قال ابن عباس رضي الله عنه : إياكم أن تخلطوا طاعة الله بحب ثناء العباد فتحبط أعمالكم .
2) قيل لبعض الحكماء : من المخلص ؟ قال : المخلص الذي يكتم حسناته كما يكتم سيئاته .
3) وقيل لسهل التستري : أي شيء أشد على النفس ؟ قال : الإخلاص . لأنه ليس لها فيه نصيب.
4) وقيل : الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن .
5) قال أبو العالية : قال لي أصحاب رسول الله : يا أبا العالية ! لا تعمل لغير الله فيكلك الله عزوجل إلى من عملت له .
6) قال الحسن البصري رحمه الله : رحم الله عبداً، وقف عند همه ، فإن كان لله مضى وان كان لغيره تأخر .
· مثال عجيب فتدبره .. قال بعض الصالحين : ينبغي للعامل أن يأخذ الأدب من راعي الغنم .. قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لأن الراعي إذا صلى عند غنمه فإنه لا يطلب بصلاته من غنمه محمدة .. كذلك العامل ينبغي له ألا يبالي بنظر الناس إليه .. فيعمل لله تعالى و عند الناس وعند الخلاء بمنزلة واحدة .. ولا يطلب محمدة الناس .
· الطريق إلى الإخلاص :
1- قوة الإيمان بالآخرة واستحضارها ، وأنه لو أتى بأعمال كأمثال الجبال لن تنفعه إذا لم يكن مخلصاً لله تعالى فيها .
2- مصاحبة المخلصين والصادقين .. فإن لصحبتهم تأثيراً عجيباً .
3- أن يكون مدح الناس وذمهم عنده بمنزلة واحدة .. فإن مدحهم لا يغني عنه شيئا ، إذا لم تكن أعماله مقبولة عند الله ،وأن ذمهم لا ينقصه شيئا إذا كان الله راضيا عنه .
4- أن يُكثر الدعاء بالإخلاص : كقوله [ اللهم ارزقني الإخلاص في القول والعمل ] ونحو ذلك.
5- أن يجتهد في إخفاء عمله ولا يظهره .. لا بقوله ولا بحاله ولا بالإشارة إليه .
6- أن يستحضر النية عند بدء كل عمل وأن يبتغي به وجه الله والتقرب منه .. وأن يكون شديد المراقبة لأعماله ، دائم التفقد لأحواله .
· كيف تصير الأعمال خالصة لله تعالى ؟ قال شقيق بن إبراهيم الزاهد رحمه الله :
حصن العمل ثلاثة أشياء :
– أن يرى العمل من الله تعالى ليكسر به العُجب .
– أن يريد به وجه الله ليكسر به الهوى .
– أن يرجو ثواب العمل من الله تعالى دون الطمع والرياء .
· حقيقة الاخلاص والصدق : قال ابن القيم رحمه الله : فالصدق والاخلاص هو أن تبذل كلك لله وحده ، ثم تحتقر ما بذلت في جنب ما يستحقه ، ثم لا تنظر الى بذْلك . أخي المسلم أختي المسلمة هل بذلت كلك لله ، روحك ومالك ووقتك ، وأعز ما تملك لله وحده !؟ قال تعالى{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }
· القناعة بعلم الله : قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ينبغي للعبد أن يلزم قلبه ( القناعة بعلم الله ) في جميع طاعاته ، وإنما يقنع بذلك من خاف الله ورجاه . فهل أنت تقنع بعلم الله وا طلاعه على جميع أعمالك ، أم تقتنع بعلم البشر واطلاعهم عليك ؟
· حكمة : احذر ان يلتفت قلبك الى غير الله ، فتسقط من عين الله .
· من علامة المخلص : قال ابن الجوزي رحمه الله : من علامة المخلص ، أن يكون في جلوته كخلوته .
– فهل حركاتك وتصرفاتك في خلوتك عندما تكون بعيداً عن الناس كما هي عندما تكون بينهم لا تختلف عنها .
· محاسبة دقيقة :
– عن الربيع بن صبيح : كنا عند الحسن البصري ، فوعظ ، ( فبكى رجل ) ، فقال الحسن : أما والله ليسألنك الله عز وجل يوم القيامة ، ما أردت بهذا ؟
سبحان الله .. يدققون في جميع طاعاتهم ، هل هي خالصة لله أم لغيره .
· يخفون بكائهم : قال الحسن البصري : إن كان الرجل ليجلس المجلس ، فتجيئه عبرته فيردها ، فإذا خشي أن تسبقه قام .
· لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح والثناء :
قال ابن القيم رحمه الله : لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت .
أقسام الناس في الإخلاص والمتابعة
قال ابن القيم رحمه الله : لا يكون العبد متصفا بـ ( إياك نعبد ) إلا بأصلين عظيمين .. أحدهما : الإخلاص للمعبود ، والثاني : متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام .
· والناس ينقسمون بحسب هذين الأصلين إلى أربعة أقسام :
– القسم الأول : إخلاص ومتابعة .. وهم أهل ( إياك نعبد ) حقيقة ، فأعمالهم كلها لله ، وأقوالهم لله ، وعطاؤهم لله ، ومنعهم لله ، وحبهم لله ، وبغضهم لله ، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده ، لا يريدون بذلك من الناس جزاءً ولا شكورا …
– القسم الثاني : لا إخلاص ولا متابعة .. فليس عمله موافق للشرع ، وليس هو خالصا للمعبود ، كاعمال المتزينين للناس ، المرائين لهم بما لم يشرعه الله ورسوله ، وهولاء هم شرار الخلق عند الله ، يفرحون بما أُوتوا من البدع والضلال والشرك .
– القسم الثالث : من هو مخلص في أعماله ، لكنه على غير متابعة الشرع .. كجهال العباد ، وكل من عبد الله بغير أمره ، واعتقد عبادته هذه قربة الى الله .
– القسم الرابع : من أعماله على متابعة الشرع ، لكنها لغير الله .. كطاعة المرائين ، ويحج ليقال.. ويقرأ القرآن ليقال .. ويجاهد ليقال .. ، فهولاء أعمالهم ظاهرها اعمال صالحة مأمور بها ، لكنها غير خالصة فلا تُقبل . اهـ بتصرف
أسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول