___________________________
خطبة الجمعة 25-05-1432هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبيٌ شرح الله له صدره ورفع ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي طاعة الله ورسوله العز والشرف والنجاة والفوز بالجنة، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) [النور:52]، (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [الفتح:17]، (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71]، فطاعة الله ورسوله مطلقة، لأن الله ورسوله لا يأمران إلا بما فيه خير، ولا ينهيان إلا عما فيه شر، والطاعة معناها امتثال الأوامر امتثال الأوامر وترك النواهي، هذه هي الطاعة، وأجرها عظيم وهي مناط السعادة في الدنيا والآخرة، ثم بعد طاعة الله ورسوله طاعة أولي الأمر من الأمراء والعلماء فهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم لأن الله قرن طاعتهم مع طاعته وطاعة رسوله فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، لما في طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من الخير والسعادة واجتماع الكلمة والفوز في الدنيا والآخرة، وطاعة ولاة الأمور مقيدة إذا لم يأمروا بمعصية الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف"، ولكن لا تنخلع طاعتهم بمجرد أنهم أمروا بمعصية، وإنما تنخلع طاعتهم إذا كفروا بالله ورسوله كفراً صريحاً، أما إذا حصلت منهم مخالفة وأمروا بمعصية فإنهم لا يطاعون في المخالفة والمعصية لكن تبقى طاعتهم فيما عدا ذلك مما لا معصية فيه ولا مخالفة، لما يترتب على ذلك من المصالح العاجلة والآجلة واجتماع الكلمة وقوة الأمة وصمودها أمام الأعداء وهذا شيء معروف ومجرب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيكم بتقوى الله" لما طلبوا منه الوصية لمّا شعروا أنه صلى الله عليه وسلم قارب الوفاة ونهاية العمر قالوا أوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد"، وفي رواية، "وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"، وفي رواية، " وإن تأمر عليكم عبد مجدع الأطراف"، لأن طاعته ليست لشخصه وإنما طاعته لمنصبه ولما يترتب على طاعة ولي الأمر من الخيرات الكثيرة، وقال صلى الله عليه وسلم: "من يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني"، وكذلك بعد طاعة الله ورسوله وطاعة أولي الأمر تجب طاعة الوالدين، على كل فرد أن يطيع والديه وهذا من البر بهما، إلا إذا أمر بمعصية الله فلا طاعة لهما في معصية الله ولكن يبقى حقهما فيما عدا ذلك، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان:14-15]، فحق الوالد لا يسقط إلا أنه لا يطاع في معصية الله وأما حقه فهو باق على الولد فيما ليس بمعصية، فهذه أمور يجب على المسلم أن يعرفها وأن يتمشى عليها في كل ما يفعل وكل ما يأتي ويذر ولا يكون بهيمة أو إمعة يمشي على ما يسمع من الأعداء والغوغائيين والمفسدين ودعاة السوء، وإنما يتمشى على المنهج الذي رسمه الله لعباده وأمرهم بإتباعه، وأما ما ينهى عنه ولا يطاع فهم أنواع من الناس لأن في طاعتهم ضرراً على المجتمعات وعلى الأفراد، أولاً الشيطان لعنه الله فهذا لا يطاع أبداً لأنه عدو ولا يأمر بخير أبداً إنما يأمر بالسوء كما قال سبحانه وتعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) [البقرة:268]، الشيطان لا يأمر بخير وإن تزين للناس أو زين لهم أنه ناصح، فقد حلف لأبينا آدم أنه له من الناصحين، وماذا حصل، ماذا حصل لأبينا آدم عليه السلام من النكبة لولا أن الله منَّ عليه بالتوبة، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37]، فلا يمكن أن يأمر الشيطان بما فيه خير وكذلك شياطين الإنس لأنه جند للشيطان فلا يأمرون بخير فتجب معصية الشيطان بفعل ما نهى عنه وترك ما أمر به، تجب معصية الشيطان بفعل ما نهى عنه وترك ما أمر به لأنه يأمر بالفحشاء فلا يطاع أبداً، وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم ويوسوس له إذا لم يعتصم المسلم منه بذكر الله وطاعة الله ورسوله فإنه يوسوس له، ولكن إذا ذكر المسلم ربه انخذل الشيطان وانخنس، ولذلك وصفه الله بأنه وسواس خناس، وسواس إذا غفل المسلم عن ذكر الله وخناس أي يتأخر ويبتعد إذا ذكر المسلم ربه عز وجل هذا في شيطان الجن، أما شيطان الإنس والعياذ بالله فإنه أشد إذا ذكرت الله مرة ذكر الله مئة مرة فهو يقول مثل ما تقول وأكثر ولكنه شيطان، شياطين الإنس، (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام:112]، وهم دعاة الضلال دعاة الضلال والعياذ بالله، قد حذرنا الله من شياطين الإنس والجن تحذيراً بالغاً، نهانا سبحانه وتعالى عن طاعة بعض أهل الكتاب، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران:100]، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لا يريدون للمسلمين خيرا إلا من منَّ الله عليه منهم وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، أما من آبى أن يؤمن بمحمد كفر بمحمد فإنه يجب الحذر منه وإن كان من أهل الكتاب، قال تعالى: (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ* وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران:100-101]، حذرنا من طاعة الكفار عموماً من اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين والليبراليين كما يسمَّون وهم المنافقون تسموا بالليبراليين وتسموا بالعلمانيين وهم المنافقون، وقد قال الله جل وعلا: (ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما) [الأحزاب:1]، وقال تعالى: (وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) [الأحزاب:48]، فيجب الحذر من الكفار عموماً لأنهم لا يريدون للمسلمون الخير، يحرضون على الفتن والشقاق، يحرضون على الخروج على ولاة أمور المسلمين، يحرضون على الفوضى والمظاهرات والاعتصامات ليفككوا جماعة المسلمين وليفككوا بلاد المسلمين، فعلينا الحذر والتحاذر من أعداء الله عموماً، كذلك لا تطع النفس الأمارة بالسوء، نفسك الأمارة بالسوء بين جنبيك، لا تطعها إذا أمرتك بمعصية الله، لا تطعها، والهوى لا تطع هواك إلا في طاعة الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى قال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50]، فعليك أن تحذر من نفسك، وعليك أن تحذر من هواك، إلا إذا هدى الله نفسك وصارت نفساً مطمئنة وصار هواك تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فالغالب أن النفس والهوى لا يأمران بخير ولا ينهيان عن شر بل يحرضان على الشر
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
فاتقوا الله عباد الله واعرفوا مكانكم من هذه الحياة، واعرفوا أعدائكم، واعرفوا أصدقائكم، وخذوا بقول الناصحين، قال تعالى: (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) [الشعراء:151-152]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:13-14].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.