تأخر زواج الفتيات (2/3)
لبنى شرف
إنَّ الأسباب وراء ظاهرة تأخُّر زواج الفتَيات تكمن – في نظري – في البُعْد عن منهج الله، وروح الشَّريعة الإسلاميَّة، ولكن لا بدَّ من شيءٍ من التَّفصيل فيها.
عدم قُدرة الشَّابّ على النَّفقة بسبب قلَّة توفّر فرص العمل، وغلاء المعيشة، أو بسبب الرَّاتب المتدنِّي الَّذي لا يكْفي الحاجات الضَّروريَّة للأسرة؛ ممَّا يَجعل الشَّابَّ يفضِّل الزَّواج من امرأة عاملة، أو قد يضطرُّ أحيانًا للهجْرة بحثًا عن فرصة أفضل للعمَل وبأجْر أعلى، وهذا يؤدِّي إلى تأخُّر زواجه، وبالتَّالي تأخُّر زواج الفتاة، مع أنَّ الأصل في المجتمع المسلم أن يكفل لكل قادرٍ عملاً ورزقًا، ولكلِّ عاجز ضمانة للعيْش الكريم، ولكلِّ راغب في العفَّة والحصانة زوجة صالحة.
عمل المرأة غير المحتاجة في وظائف من الأوْلى أن يعمَل فيها الشَّباب، فالشَّابّ مطالب بالنَّفقة، أمَّا المرأة فليستْ مُطالبة بها، وإنَّما نفقتُها على زوجِها أو ذوي قرابتِها، أو من بيت مال المسلمين.
ولكن لبعْدنا عن المنهج الربَّاني، أصبحت المرْأة مضطرَّة للعمل أحيانًا لتضْمن لنفسها حياة كريمة!
عدم التَّكافُل والتَّعاون والتَّراحُم بين ذوي القُرْبى ممَّا يؤدِّي إلى تأخُّر زواج الشَّابّ غير مستطيع النفقة؛ لأنَّه لَم يجد عونًا من قرابته، أو حتَّى من يقرضه قرضًا حسنًا!
وقد يلجأ بعضُ الشَّباب إلى الاقتِراض من البنوك، أو الحصول على المال بطرق غير شرعيَّة.
تعْسير أهل الفتاة أمر الزَّواج على الشَّابّ، والمبالغة في المهور والطَّلبات المادّيَّة غير الضَّروريّة، والتَّمسُّك ببعض الأمور التي لا تعْدو عن كونها عاداتٍ وتقاليدَ ليست من الدين في شيء؛ فهناك بعض الأسر تحرِص على تقاليدها وإن كانت خاطئةً، وفيها ما فيها من استِنزاف للوقْت والمال، أكثر من حرصِها على تطْبيق شعائر دينِها!
منع بعض الآباء بناتِهم من الزَّواج بحجَّة أنَّ عليهنَّ أن يُساهمْنَ في نفقات أهاليهنَّ، وتعْليم إخوتهنَّ، يعني بعبارة أخرى: يريد الأب أن يستردَّ ما أنفقه على ابنتِه؛ بل إنَّ هناك مَن يطالب ابنتَه وحتَّى بعد أن تزوَّجتْ بما أنفقه عليْها، شيء عجيب! ومَن يعِش يسمعْ ويرَ عجبًا!
رفْض الفتاة الزَّواج رغبة في إكمال دراستها، أو لأنَّها تريد أن تعمل والخاطِب يرفض ذلك، فتقدم العمل والوظيفة على الزَّواج، مع أنَّ النبيَّ الكريم – عليه وآلِه الصَّلاة والسَّلام – يقول: ((إذا أتاكم مَن ترضَون خلقَه ودينَه فزوِّجوه، إلاَّ تفْعلوا تكُن فتنة في الأرض وفساد عريض))؛ حسن لغيره، الألباني: "السلْسلة الصحيحة" (1022).
وهذا ما هو حاصِل في مجتمعاتِنا، فبعض الفتَيات لا يَعين المفهوم الصَّحيح للزَّواج، وأنَّه إعفاف وإحْصان، وبناء لأسْرة مسلمة، فقد طغتِ المادّيَّة، واختفت الموازين الإسلاميَّة.
بعض الفتيات يرفُضْن الزَّواج لأسباب نفسيَّة تتعلَّق بطبيعة الشخصيَّة، وكيفية التَّربية والتنشِئة، والبيئة التي نشأن فيها.
فهُناك مَن تخاف من الزَّواج ومن تحمُّل المسؤوليَّة، وهُناك من ترفُض سلطة الرِّجال عليها، وهناك مَن تخشى ألاَّ تقومَ بحقِّ زوجها، أو أنَّها تعرف من نفسِها أنَّها لن تستطيع القيام بحقِّ الزَّوج، وقد حدث في عهْد النَّبيِّ – صلَّى الله عليْه وآلِه وسلَّم – أنَّ رجُلاً أتى بابنتِه إلى رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – فقال: إنَّ ابنتي هذه أبَتْ أن تتزوَّج، فقال لها رسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أطيعي أباك))، فقالت: والَّذي بعثك بالحقِّ، لا أتزوَّج حتَّى تُخبرني ما حقُّ الزَّوج على زوْجته؟ قال: ((حقُّ الزَّوج على زوجتِه، لو كانت به قرحة فلحستْها، ما أدَّت حقَّه))، قالت: والَّذي بعثكَ بالحقِّ لا أتزوَّج أبدًا، فقال النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تنكِحوهنَّ إلاَّ بإذنهنَّ))؛ رواه المنذري في "التَّرغيب والتَّرهيب" (3 /98).
وكذلك في المقابل، عزوف بعضِ الشَّباب عن الزَّواج؛ لأسباب نفسيَّة وتربويَّة ترجع لطبيعة التَّربية والبيئة التي نشَؤُوا فيها.
رفْض الفتاة الزَّواج من رجُل متزوِّج، حتَّى وإن كان هذا الرَّجُل صاحبَ دين وخلق، ولديْه القدرة الماليَّة لأن يتزوَّج بأخرى، فإنَّها ترفض فكرة التعدّد.
دور الإعلام الفاسد والمفْسِد في بثِّ المفاهيم المغْلوطة عن الزَّواج والحياة الزَّوجيَّة، ومسألة تعدُّد الزوجات، وشنّ الحملات والمخطَّطات الَّتي تستهدِف القضاء على الأسرة.