من كتاب " هذا تأويل رؤياي ضوابط شرعية في تعبير الرؤى والأحلام " .
ما يراه الناس في نومهم لا يخرج عن هذه الأمور !
ما يراه الإنسان في نومه من مشاهد وأشياء لا يخرج عن ثلاثة أقسام؛ كما صرّح بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فمن حديث أبي هريرة، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " الرُّؤْيَا ثَلاثٌ : حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ ..فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ " [ أخرجه البخاري (6499) ]
القسم الأول : " الرؤيا الصالحة " :
التي هي من الله ، و هي نفحة من نور النبوة، وومضة من الوحي الإلهي، أو كما أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنها جزء من النبوة، فمن حديث أنس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ " [ أخرجه البخاري (6468) ].، والرؤيا الصالحة سماها النبي – صلى الله عليه وسلم – " المبشرات"، فقال : " لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ"، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ " [ أخرجه البخاري (6475 )]
والرؤيا الصالحة عمومًا تكون على عدة أنواع، فمنها :
أ ـ رؤيا البشارة : فتكون بشارة للإنسان بخير، كرؤيا يوسف – عليه السلام – حينما رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له سجدين، فكانت بشارة بالملك والسيادة وأن يخضع له الإخوة الذين باعوه بثمن بخس . ومن رؤى البشارة أيضًا رؤيا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بالمدينة أنه يدخل المسجد الحرام مع أصحابه محلقين ومقصرين، وقد صدقه الله هذه الرؤيا كما أخبر تعالى : " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا "[الفتح27].
بـ ـ رؤيا النذارة : وهي أيضًا رؤيا صالحة من الله – فهي كرؤيا ملك مصر – : حينما رأى " سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات "، فكانت رؤيا تحذيرية ليأخذ الناس حذرهم من القحط، وليأخذوا بالأسباب لتفادي الكارثة .
ومن ذلك أيضًا رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – التي رآها قبل معركة أحد من أن عددًا من الأبقار تُذبح، وأن سيفه ذا الفقار قد فُلَّ أو به ثلمة أو أصابه انقطاعًا فكان نذيرًا بما آلات إليه الأمور في مأساة أحد، حيث قُتل سبعون من خيار الصحابة- وهو الذي أشارت إليه الرؤيا بذبح الأبقار، وقصة هذه الرؤيا في الصحيحين من حديث أبي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا – وَاللَّهُ خَيْرٌ – فَإِذَا هُمْ النَّفَرُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ"[ أخرجه مسلم (4217) ]
ج ـ رؤيا التوجيه والإرشاد : وتكون بهدف إرشاد الإنسان لفعل خير أو توجيهه نحو باب فضل، ومن ذلك ما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – من رؤيا ترشده إلى فضل السواك، وتوقير الكبير، فعن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ ! فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأكْبَرِ " [ أخرجه مسلم ( 4216)].
د- رؤيا فلق الصبح أو رؤيا الصدق : وهي رؤيا تحكي واقعًا سيحدث بحذافيره، كأن يرى الإنسان أن فلانًا مات فإذا ما أصبح وقعت الرؤيا كفلق الصبح، وليس بالضرورة أن يكون هذا الذي يراه من البشارة أو النذارة، وإنما يرى الحدث في المنام مجردًا من أي توجيه، فيراه في يقظته واقعًا حيًا، ومثل هذه الرؤى أشارت إليها أم المؤمنين عائشة فس حديث بدء الوحي، فقالت : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ " [ أخرجه البخاري (3) ].
ومثال رؤيا الصدق، ما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – في منامه بشأن عائشة، حيث أُخبر أنها ستكون زوجه، وقد كان كما وقع في الرؤيا، قال – صلى الله عليه وسلم – يُحدّثها – ذات يوم :
« أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِى سَرَقَةِ حَرِيرٍ ، فَيَقُولُ : هَذِهِ امْرَأَتُكَ . فَأَكْشِفُهَا، فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَأَقُولُ : إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ » [ أخرجه البخاري (7011) ].
وقوله : " أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ " ، إشارة أن رؤيا الحق، قد يراها الإنسان مرارًا، مرة بعد مرة، تأكيدًا على صدقها، لكن ليس التكرار شرط في رؤيا الصدق.
القسم الثاني : " الحُلم أو الكابوس " :
الذي هو من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ، أو ليدفعه بها نحو الشر، فيمنيه ويعده، أويخوفه الفقر، أويأمره بالفحشاء، أو يتلاعب به، كما في حديث الأعرابي، الذي جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : "إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ " فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَقَالَ : " لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ " [ أخرجه مسلم (4211)].
القسم الثالث : " حديث النفس" :
فثمة أشياء نراها في منامنا ليست من الرؤى الصالحة وليست من نفث الشيطان، وإنما هي أمور يتحدث بها المرء مع نفسه في نومه، ويستحضرها العقل الباطن ولا سيما حينما يكون الإنسان مشغولاً بأمر يملك عليه أزمّة نفسه، ومثاله رجل يسافر سفرًا شاقًا وهو يكابد شدة العطش ولا يجد ما يروي به ظمأه، فنام على ذلك، فرأى في المنام الأنهار والغدران والماء العذب الذلال، فتلك رؤيا من حديث النفس.
بارك الله فيك