من كتاب " هذا تأويل رؤياي "
1_ يستحب لمن رأى رؤيا حسنة صالحة، أن يحمد الله عليها، فمن حديث أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ؛ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ " [ أخرجه البخاري (6470) ].
2_ ويستحب له أيضًا أن يحدّث بها من أحب، ولا يقصص رؤياه إلا على الصالحين الذين يحبون له الخير، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : « فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً، فَلْيُبْشِرْ، وَلاَ يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ » [ أخرجه مسلم (6039 ) ].
وهذا ما صنعه يوسف – عليه السلام – حينما قص رؤياه إلى أحب الناس إليه – أبيه – ، فقال تعالى : " إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأتيت أحد عشر كوكبًا "، ولا يقصصها أبدًا على حساده، ولا يحدث بها حقّاده، وليعمل بوصية يعقوب – عليه السلام – : " لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِللإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " .
3_ ويستحب أيضًا لمن رأى الرؤيا الصالحة، أن يستبشر خيرًا، وأن يتفاءل بها، وأن يستحضر في نفسه شعور السعادة والفرحة شاكرًا لأنعم الله، واثقًا من فضل الله، ففي الحديث الذي أشرنا إليه آنفا : "فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً، فَلْيُبْشِرْ" [ أخرجه مسلم (6039 )].
4_ ويستحب لمن رأى شيئًا قبيحًا في منامه، أو رأى حلمًا أحزنه، أن يفعل خمسة أمور :
الأول : يتفل عن شماله ثلاث مرات خفيفات، فيبزق بزقًا لطيفًا لا ريق فيه.
الثاني : أن يتعوذ بالله من شر الشيطان، ومن شر هذه الرؤيا.
الثالث : أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، فيغير من هيئة نومه التي كان عليها.
الرابع: أن يقوم فيتوضأ ويصلي ما شاء الله له .
الخامس : ألا يخبر بها أحدًا..
ودليل ذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم – :
« الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالرُّؤْيَا السَّوْءُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفِثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ لاَ تَضُرُّهُ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا » [ أخرجه مسلم (6039 )].
وقوله – صلى الله عليه وسلم – : " فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ » [ أخرجه مسلم (6042) ].
وقوله – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث جابر – : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا ، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْه" [ أخرجه مسلم (4199) ].
والناس ينزعجون من الرؤى الشريرة، ومنهم الذين يعتريهم المرض والاكتئاب لمجرد رؤيتهم لتلك الرؤى الإبليسية، وقد وعدهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنهم إن فعلوا هذه الأمور الخمسة، فإن هذه الأحلام لن تضرهم ، ومثل هذا التخوفات كانت تدور في نفوس بعض الصحابة، حتى علموا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يفعله المرء حينما يرى الرؤيا الكريهة، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ :
إِنْ كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي !! قَالَ : فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ ، فَقَالَ : وَأَنَا كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ " [ أخرجه مسلم (4198)].
5- ومن الآداب المتعلقة بالرؤيا ؛ أن يتحرى الإنسانُ الصدق في كل أحواله عمومًا، وذلك لأن أصدق الناس حديثًا أصدقهم رؤيًا، وأكذبهم حديثًا أكذبهم رؤيًا، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: « إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا" [ أخرجه مسلم (6042) ].
وقوله – صلى الله عليه وسلم – إذا اقترب الزمان لم تجد رؤيا المؤمن تكذب، فيه إشارة أنه كلما اقتربت الساعة كلما كثرت رؤى المؤمنين، وكلما كانت أوقع وأصدق، ولعل هذا من باب إنذار الناس، وتثبيت المؤمنين حيث تكثر الفتن، ويُرفع العلم، ويكثر أئمة الضلال، وتبلغ القلوب الحناجر، ويظن الناس بالله الظنون، هنالك تتنزل الرؤى الصالحة على قلوب المؤمنين، فيثبت بها قلوبهم، وليذهب عنها نفث الشيطان، والله رؤوف بعباده.
6ـ ثم عليه أن يكون أمينًا في نقل ما رآه في منامه، إذا ما قصّها على الأحباب والمعبرين. عليه أن يقص رؤياه بكل دقة وأمانة، فإن من جملة الكذب المحرم، أن يتحلَّم الرجلُ ويدعي ما لم يره في المنام . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ ، وَلَنْ يَفْعَلَ ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ ، صُبَّ فِى أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً ، عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ »[1].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مِنْ أَفْرَى الْفِرَى[2] أَنْ يُرِىَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ »[3].
قال ابن بطال : " ذلك لتظاهر الأخبار عن النبى – عليه السلام – أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ، والنبوة لا تكون إلا وحيًا من الله ، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب فى نومه كاذب على الله، أنه أراه مالم ير ، والكاذب على الله أعظم فرية وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه ، بما أتلف به حقًا لغيره أو أوجبه عليه ، وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى : "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"[الأنعام21]"[4].
7 ـ يُشرع للإنسان إذا أقبل على فراشه، أن يقرأ عند النوم آية الكرسي، لما ورد في الحديث : " إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ" [ أخرجه البخاري (2311)]، وهو من حديث إبليس لأبي هريرة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ".
فآية الكرسي، شفاء بإذن الله، لمن كان يشكو من الأحلام المخيفة، لقوله : "لاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ".
_________
** عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشرف العام على موقع نبي الرحمة
[1] أخرجه البخاري (7042)
[2] الِفَري : جَمع فِرْية وهي الكَذْبة، أي مِن أكْذَب الكَذِبات
[3] أخرجه البخاري (7043)
[4] شرح صحيح البخارى (9 / 555)