خُطبة جُمعة (مِن أسبابِ الثباتِ)
الْحَمدُ للهِ الذي جَبَلَ عبادَهُ على الحنيفيةِ ، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ جَاءَ بالحنيفيةِ السَّمْحاءِ
وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الكِرامِ النجباءِ
أما بَعدُ :
قَالَ اللهُ في الحديثِ القدسيِّ : وإنِّي خَلَقتُ عبادي حُنفاءَ كُلَّهُم ، وإنَّهُم أَتَتْهم الشياطينُ فاجْتَالَتْهُم عنْ دِينِهم . رَوَاهُ مسلمٌ .
وإنَّ القلوبَ لا تثبُتُ على حَالٍ
قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ. رَوَاهُ مسلمٌ .
قَالَ أَبو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رضيَ اللّهُ عَنْهُ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ، إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ .
ما سُمِّيَ القَلْبُ إلا مِنْ تَقَلُّبِهِ = فاحْذَرْ على القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحويلِ
أيُّها المؤمنونَ :
إنَّ المؤمنَ لَيَوْجَلُ ويَخافُ أنْ يَنقلِبَ قَلبُه فيزِيغَ ويَهلِكَ .
ولَمّا كانَ الأمرُ كذلِكَ .. كانَ على المسلِمِ أن يتشبَّثَ بأسبابِ الثباتِ ، ودُونَكُم اثنا عَشَرَ سببا ..
أولاً :
إخلاصُ العملِ للهِ عزَّ وَجَلّ ، فإنَّ الْخَلاصَ في الإخلاصِ ، وإنَّما يُؤتَى الإنسانُ ويُخذَلُ مِن عَدَمِ إخلاصِهِ ، أو مِنْ قِبَلِ ضَعْفِ الإخلاصِ .
وفي الحديثِ : ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهِنَّ قَلْبُ مسلمٍ : إخلاصُ العملِ للهِ ، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ ، وَلزومُ الجماعةِ ؛ فإنَّ دعوتَهُم تُحيطُ مَنْ ورائهِم . رَوَاهُ أحمدٌ وأهلُ السُّنَنِ .
قَالَ ابنُ عبدِ البرِّ : مَعناه لا يكونُ القلبُ عَليهِنّ ومعهُن غليلا أبَدا ، يَعني لا يَقوى فِيه مرضٌ ولا نفاقٌ إذا أخلَصَ العملَ للهِ ، وَلَزِمَ الجماعةَ ، وناصَحَ أولي الأمرِ . اهـ .
وعلى الإنسانِ أنْ يَحرِصَ على إخلاصِ العملِ للهِ عزَّ وَجَلّ ، ولِذا كانَ أعظمُ النوافلِ ما أخفاها صاحِبُها . قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : أفضلُ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلا الصلاةَ المكتوبةَ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ
.
ورَوَاهُ أبو داودَ بِلَفْظِ : صلاةُ المرءِ في بيتِهِ أفضلُ مِنْ صلاتِهِ في مسجدِي هذا إلاَّ المكتوبةَ
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : فضلُ صلاةِ الرَّجُلِ في بيتِهِ على صلاتِهِ حيثُ يرَاهُ الناسُ ، كَفَضْلِ المكتوبةِ على النافلةِ . رَوَاهُ الطبرانيُّ في الكبيرِ والبيهقيُّ ، وقَالَ المنذريُّ : إسنادُهُ جيِّدٌ .
قَالَ الشيخُ ابنُ سَعْديٍّ رَحِمَهُ اللهُ : ومِن أفضلِ أنواعِ الإحسانِ في عبادةِ الخالِقِ : صلاةُ الليلِ ، الدالةُ على الإخلاصِ ، وتواطؤِ القلبِ واللسانِ . اهـ .
ثانيا :
ذِكْرُ اللهِ ، لأنَّهُ يَجلو القلبَ ، ويَسبَحُ القلبُ في الذِّكْرِ والفِكْرِ . وتطمئنُّ النفسُّ بالذِّكْرِ، كما أخبرَ اللهُ عزَّ وَجَلّ .
ولذلِكَ شُرِعَ الإكثارُ مِنْ ذِكْرِ الموتِ ، والإكثارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عزَّ وَجَلّ .
فإنَّ مَنْ ذَكَرَ الموتَ خافَ ، ومَنْ خَافَ وَجِلَ ، ومَنْ وَجِلَ عَمِلَ .
قَالَ تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) .
وأعظمُ الذِّكْرِ : تلاوةُ القرآنِ وتدبّرُهُ والعملُ بِهِ .
وَقَدْ تكفّلَ اللهُ لِمَنْ اعتصَمَ بالقرآنِ أنْ لا يضِلَّ ولا يشقى ، وأنَّ له الهدايةَ التامةَ بأنواعِها .
وقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ؛ كِتَابُ اللهِ . رَوَاهُ مسلمٌ .
ولأنَّ ذِكْرَ اللهِ أعظمُ سلاحٍ ضدَّ الشياطينِ ، فالشيطانُ يَخنُسُ ويَضعُفُ ويتصاغَرُ أمامَ ذِكْرِ اللهِ عزَّ وَجَلّ .
قَالَ تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
قَالَ ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : الشيطانُ جَاثِمٌ على قَلبِ ابنِ آدمَ ، فإذا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ ، وإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ .
ثالثا :
الاستعانةُ بالعبادةِ ، وأعظمُها الصلاةُ ، لقولِهِ تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
قَالَ ابنُ كثيرٍ : إنَّ الصلاةَ مِنْ أكبرِ العونِ على الثباتِ في الأمْرِ . اهـ .
وَقَدْ كَانَ نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَجِدُ راحةَ نفسِهِ ، وقُرّةَ عينِهِ في الصلاةِ ، فَكَانَ يَقولُ : وجُعِلَتْ قُرّةُ عيني في الصلاةِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والنَّسائيُّ .
وكانَ يقولُ لِبلالَ : أرحِنا بِها يا بلالُ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ .
وما ذلِكَ إلاّ لأنَّ الصلاةَ مِنْ أعظمِ ما يُعينُ على الثباتِ .
ولأنَّ الصلاةَ صِلَةٌ بَينَ العبدِ وربِّهِ ، فِكَيفَ يَضِيعُ وَيَضِلُّ ويَنقطِعُ مَنْ هُوَ على صِلَةٍ بِاللهِ عزَّ وَجَلّ ؟
ولأنَّ الصلاةَ تنهى عَنِ الفحشاءِ والْمُنكرِ .
ولِذا كانتِ العبادةُ في وقْتِ الفِتنِ مِنْ أعظمِ أسبابِ الثباتِ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ . رَوَاهُ مسلمٌ .
وكلّما قَوِيتْ صِلَةُ العبدِ بِربِّهِ كُلَّما كَانَ أقوى وأثبَتَ لإيمانِهِ ، ولذلِكَ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : المؤمِنُ القويُّ خَيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضعيفِ ، وفي كُلِّ خَيرٌ . رَوَاهُ مسلمٌ .
فالقوّةُ قوّةُ القلبِ ، وإنما يَقوى القلبُ بِحَسَبِ ما فيه مِنْ إيمانٍ .
رابعا :
مِنْ أعظمِ وسائلِ الثباتِ : دوامُ الطاعةِ ، وامتثالُ الأوامِرِ ، واجتِنابُ النواهي .
ولِذا كانتْ شِدّةُ الثباتِ على دِينِ اللهِ في امتثالِ الأوامِرِ واجتنابِ النواهي ، وفِعْلِ الطاعاتِ
وهذا ما جاءتْ بِهِ الآياتُ مِنْ سورةِ النِّساءِ في قولِهِ تعالى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)
كَمَا أنَّ الانتهاءَ عمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنْ أعظَمِ أسبابِ الثباتِ ؛ لأنَّ الإنسانَ مأمورٌ أنْ يَدورَ مَعَ الشرْعِ حَيثُ دَارَ ، ويَرى أنَّهُ لا خِيارَ لَهُ في أنْ يَرْتَكِبَ ما نَهَى اللهُ عَنْهُ .
ولِذَا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ . رَوَاهُ البخاريُّ ومُسلمٌ .
وفي روايةٍ : إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ .
ومُخالَفةُ أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سببٌ في زيغِ القَلْبِ .
قَالَ تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قَالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبلٍ : أتدري ما الفتنةُ ؟ الفِتنةُ الشِّرْكُ ، لعلَّهُ إذا رَدَّ بَعضَ قَولِهِ أنْ يَقَعَ في قلبِهِ شيءٌ مِن الزَّيغِ فَيَهْلِكَ .
وقَالَ سُبحانَه : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) .
وأنْ يُكثِرَ المؤمنُ مِنَ الحسناتِ ؛ لأنَّهنَّ يُذهِبنَ السيئاتِ كما أخْبَرَ اللهُ عزَّ وَجَلّ .
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : يُؤمَرُ المؤمنونَ أن يُقَابِلوا السيئاتِ بِضدِّها مِنَ الحسناتِ، كَمَا يُقابِلُ الطبيبُ المرضَ بضدِّهِ، فيؤمَرُ المؤمِنُ بأنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ، وذلِكَ بِشيئينِ: بِفعلِ الحسناتِ، وترْكِ السيئاتِ، مَعَ وجودِ ما ينفي الحسناتِ وَيَقتضي السيئاتِ
خامسا :
الدعاءُ وصِدقُ الالتجاءِ والافتقارِ إلى اللهِ .
فَقَدْ كَانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكثِرُ مِنَ الدُّعاءِ بالثباتِ ، ويَسألُ اللهَ الْهُدى .
ومَنْ تَأمَّلَ دُعاءَ الفاتِحَةِ عَرَفَ أهميةَ مَسألةِ الثباتِ ، فإنَّ اللهَ فَرضَ قراءةَ هذه السورةِ العظيمةِ على عبادِهِ في كلِّ صلاةٍ ، وفيها أعظَمُ مَسألةٍ ، وَهِيَ الهِدايةُ : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) .
ولذلِكَ كَانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ سؤالِ اللهِ الثبات .
فقدْ كانَ نبيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكثِرُ أنْ يَقولَ : يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ وطاعتِكَ . فَقِيلَ لَه : يا رسولَ اللهِ ! إنكَ تُكْثِرُ أنْ تَقولَ : يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قَلبي على دِينِكَ وطاعتِكَ . قَالَ : وما يُؤمِّنُني ؟ وإنَّما قلوبُ العبادِ بين أصبعي الرحمنِ ، إنَّه إذا أرادَ أنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَبَهُ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ . وَصَحَّحه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " قَالَ : فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : " نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا " . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ وابنُ مَاجَه ، وصحَّحهُ الألبانيُّ .
وَكَانَ مِنْ دُعاءِ المؤمنينَ : (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) .
سادسا :
مِنْ أسبابِ الثباتِ : صِدْقُ الاستجابةِ للهِ عزَّ وَجَلّ .
وكلّما كَانَ الإنسانُ أكثرَ استجابةً للهِ عزَّ وَجَلّ كَانَ أكثرَ ثباتا على دِينِ اللهِ .
قَالَ تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ثم قَالَ : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
فَليسَ لأحدٍ خيارٌ أنْ لا يستجيبَ للهِ عزَّ وَجَلّ .
قَالَ أَبو سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى : كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ، ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ ؟ قَالَ: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ . رَوَاهُ البخاريُّ .
فالاستجابةُ للهِ عزَّ وَجَلّ حياةٌ كاملةٌ هانئةٌ .
وَتَرْكُ الاستجابةِ وتَنكُّبُ الصِّراطِ المستقيمِ – مَوْتٌ .
قَالَ ابنُ القيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
الْحَيَاةُ النافعةُ إِنَّمَا تَحصُلُ بالاستجابةِ للهِ وَرَسُولِهِ ، فَمَنْ لَمْ تَحصُلْ لَهُ هَذِهِ الاستجابةُ فَلا حَيَاةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَيَاةٌ بهيميةٌ مُشْتَركَةٌ بَينَهُ وَبَينَ أرذَلِ الْحَيَوَانَاتِ ، فالحياةُ الْحَقِيقِيَّةُ الطّيبَةُ هِيَ حَيَاةُ مَنْ اسْتَجَابَ للهِ وَالرَّسُولِ ظَاهِرا وَبَاطنا ، فَهَؤُلاءِ هُمُ الأَحْيَاءُ وَإِن مَاتُوا ، وَغَيرُهُم أمواتٌ وَإِنْ كَانُوا أَحيَاءَ الأَبدَانِ ، وَلِهَذَا كَانَ أكملُ النَّاسِ حَيَاةً أكملُهم استجابةً لدَعْوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . اهـ .
سابعا :
أنْ يَخافَ مِنْ تقلّبِ قلبِهِ ، وتغيُّرِ أحوالِهِ ، وتبدّلِ استقامتِهِ .
وكانَ سَلفُ هذه الأمةِ يَخافونَ على أنفسِهِم مِنْ فتنةِ الْمحيا ومِنْ فتنةِ المماتِ .
وكانَ أبو هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقولُ : وما يُؤمِّنُني وإبليسُ حَيٌّ ؟!
قَالَ جُبيرُ بنَ نفيرٍ : دَخلتُ على أبي الدرداءِ مَنْزِلَهُ بِحمصَ فإذا هو قائمٌ يُصلي في مسجدِهِ ، فَلمَّا جَلَسَ يَتشهدُ جَعَلَ يَتعوذُ بِاللهِ مِنَ النفاقِ ، فلمَّا انصرفَ ، قلت : غَفَرَ الله لك يا أبا الدرداء ! ما أنت والنِّفاقُ ؟ قَالَ : اللهم غَفْرا – ثلاثا – مَنْ يأمنُ البلاءَ ؟ مَنْ يأمنُ البلاءَ ؟ واللهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَتنُ في ساعةٍ فَينقلِبُ عَن دِينِهِ .
وقد وَرَدَ أنَّ الشيطانَ تمثّلَ لِبعضِ الصالحينَ عِندَ الموتِ .
قَالَ صالِحُ بنُ أحمدَ بنِ حنبلِ : لَمَّا حضرتْ أبي الوفاةُ جلستُ عِندَهُ والْخِرقةُ بيدي أشدُّ بها لِحْيتَه . قَالَ : فَجَعَلَ يَغرَقُ ثمَّ يُفيقُ ويَفتحُ عَينيهِ وَيَقولُ بِيدِهِ هكذا : لا بَعْدُ . لا بَعْدُ . لا بَعْدُ . فَفَعلَ هذا مرةً وثانيةً ، فَلمَّا كَانَ في الثالثةِ قلتُ له : يا أبتِ إيش هذا الذي لَهَجْتَ بِهِ في هذا الوقتِ ؟ فَقَالَ: يا بُنيَّ أمَا تَدري ؟ قلتُ : لا . فقَالَ : إبليسُ لَعَنَهُ اللهُ قائمٌ بِحذائي عاضٌّ على أنامِلِه يَقولُ : يا أحمدُ فُتَّنِي ! فأقولُ : لا ، حتى أموتَ .
وقَالَ عطاءُ بنُ يَسارٍ : تبدّى إبليسُ لِرجُلٍ عِنْدَ الموتِ فقَالَ : نجوتَ ! فقَالَ : ما نجوتُ، وما أمِنْتُكَ بَعْدُ .
ثامنا :
البراءةُ مِنَ الحولِ والقوةِ ، وذلِكَ بالإكثارِ مِنْ قولِ " لا حَولَ ولا قوَّةَ إلاّ بِاللهِ "
فإنَّ أكثرَ مَنْ زلَّ وضلَّ بِسببِ اعتمادِهِم على أنفسِهِم ، واعتدادِهِم بِذكائهِم !
فوُكِلوا إلى أنفسِهِم ، فوُكِلوا إلى عجْزٍ وَضَعْفٍ وَعَوَرةٍ .
وأمَّا المؤمنُ ، فإنَّه يَنظُرُ إلى نفسِهِ بعينِ التقصيرِ ، وأنَّ ما بِهِ مِنْ نِعمةٍ فَمِنَ اللهِ .
قَالَ عُتبةُ بنُ غزوانَ : أعُوذُ بِاللهِ أنْ أكونَ في نَفْسِي عَظيما ، وعِندَ اللهِ صَغيرا . رَوَاهُ مسلمٌ.
ولَمَّا وُلِّي أبو بكرٍ الخلافَةَ خَطبَ النَّاسَ فقَالَ : إنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَليكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُم فَلَمَّا بَلَغَ الحسنَ البصريَّ قولُهُ قَالَ : هُوَ واللهِ خَيْرُهُم غَيرُ مُدَافَعٍ ، ولَكِنَّ الْمُؤمِنَ يَهْضِمُ نَفْسَه . رَوَاهُ البيهقيُّ في السننِ الكُبرى .
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : يَجبُ على المؤمنِ أنْ يَستعينَ بِاللهِ، ويتوكلَ عَليهِ في أنْ يُقيمَ قَلبَهُ ولا يُزيغَهُ، ويُثبتَهُ على الهدى والتقوى، ولا يَتْبَعَ الهوى، كما قَالَ تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) . اهـ .
ومتى ما اعتمدَ الإنسانُ على جُهدِهِ وقوتِّهِ وذكائهِ ، وُكِلَ إليها ، ومَنْ وُكِلَ إلى نفْسِهِ ، وُكِلَ إلى عجْزٍ وَضَعْفٍ وَعَوَرَةٍ ، فَزَلَّ وضلَّ .
فَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّنَا أَنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ .
الثانية :
عِبادَ اللهِ مِنْ أسبابِ الثباتِ :
تاسعا :
الابتعادُ عنْ مَواطنِ المعصيةِ ، أو الأماكنِ التي تُذكِّرُ أو تُعينُ على المعصيةِ
ففي قِصةِ قاتِلِ المائةِ نَفْسٍ ، قَالَ له العَالِمُ : انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . كما في الصحيحينِ .
ولذا نَهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عنِ الاقترابِ مِنْ مَواطِنِ الفِتَنِ ، فقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : مَنْ سَمِعَ بِالدَّجالِ فَلْيَنْأ عَنه ، فو اللهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيأتيهِ وهُو يَحسبُ أنَّه مُؤمِنٌ، فَيَتْبَعُهُ مما يَبْعَثَ بِهِ مِنَ الشُّبُهاتِ . رَوَاهُ أحمدُ وأبو داودَ . وصحَّحه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وَكَانَ السَّلَفُ يُحذِّرُونَ مِنَ الاستماعِ إلى الشُّبُهاتِ ؛ وكانوا يَقولونَ : الشُّبَهُ خَطّافَةٌ أيْ : تُؤثِّرُ وتَخْطَفُ العقلَ .
قَالَ ميمونُ بِنُ مَهرانَ : ثلاثٌ لا تبلونَ نَفسَكَ بِهنَّ : لا تَدخُلْ على السُّلطانِ ، وإن قلتَ آمرُهُ بِطاعةِ اللهِ ، ولا تُصغينَّ بِسَمْعِكَ إلى هوىً ، فإنَّكَ لا تدري ما يَعْلَقُ بِقَلْبِكَ مِنه ، ولا تَدْخُلْ على امرأةٍ ، ولُو قُلتَ أُعَلِّمُها كتابَ اللهِ .
وهِذِهِ مِنْ أعظَمِ وأكْبَرِ وأخْطَرِ أسبابِ الانتكاسِ ؛ لِكثرةِ وسائلِ الاتصالِ والتواصلِ والانفتاحِ على الكفارِ ، والاستماعِ إلى الشبهاتِ التي قد تُؤثِّرُ في دِينِ الإنسانِ وسلامتِهِ
وكَمْ مِنَ النَّاسِ يظنُّ أنَّهُ عَلى يقينٍ لا تُزعزِعُهُ الأيامُ ، ولا تَهزُّهُ الرِّياحُ ، فَلمَّا تعرّضَ للفِتَنِ فُتِنَ وانتكَسَ . نسألُ اللهُ السلامةَ والعافيةَ .
ولِذَا كَانَ الصحابةُ رِضِيَ اللّهُ عَنْهُم يقولونَ : الحيُّ لا تُؤمَنُ عَليهِ الفتنةُ .
والقلوبُ على نوعينِ :
قلوبٌ لا تَلتَفِتُ إلى الشُّبهاتِ ، وقَدْ تسلّحتْ بِالعِلْمِ قَبلَ وُوردِ الشُّبهةِ عليها .
وقلوبٌ إسفنجيةٌ تمتصُّ كُلَّ شُبهةٍ ، وتُمسِكُ كُلَّ فِتنةٍ .
عاشرا :
أنْ يُجاهِدَ نَفْسَهُ ويُقسُرُها على الطاعةِ ، فإنَّ النَّفسَ حَرُونٌ خدّاعةٌ ، كَمَا قَالَ ابنُ الجوزيِّ.
قَالَ تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
قَالَ ابنُ القيِّمِ : علّقَ سبحانَه الهدايةَ بالجهادِ ، فأكمَلُ النَّاسِ هدايةً أعظمُهُم جِهادا . اهـ.
ومِنْ أعظَمِ المجاهَدةِ : مُجاهَدةُ النَّفسِ على الإحسانِ إلى الْخَلْقِ ، فإنَّ اللهَ يُحسِنُ إليه لأنَّ سُنّةَ اللهِ جَرَتْ : (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) .
قَالَ قَتادةُ : (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) قَالَ : عَمِلُوا خَيرًا ، فَجُوزُوا خَيرا .
قَالَ الشيخُ السَّعديُّ : فالْمُحْسِنونَ لَهُمُ البِشارةُ مِنَ اللهِ ، بِسَعَادةِ الدُّنيا والآخِرَةِ ، وسَيُحْسِن اللهُ إليهم ، كما أحْسَنوا في عبادتِهِ ولِعِبَادِه .
وقَالَ أيضا : أيْ : هلْ جزاءُ مَنْ أحْسَنَ في عِبادةِ الخالِقِ ونَفَعَ عَبيدَهُ ، إلاَّ أن يُحْسِنَ إليه بالثوابِ الجزيلِ، والفوزِ الكبيرِ، والنعيمِ المقيمِ، والعيشِ السليم . اهـ .
الحادي عَشَرَ :
الحرصُ على الصحبةِ الصالحةِ ، فإنَّ الإنسانَ على دِينِ صاحبِهِ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : المرءُ على دِينِ خليلِهِ ، فليَنْظُرْ أحدُكُم مَن يُخَالِل . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ . وحسنَهُ الألبانيُّ ، وقَالَ شعيبُ الأرنؤوطُ عن إسنادِ أحمدَ : إسنادُه جيِّد .
وفي وصايا النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : لا تَصْحَبْ إلاَّ مُؤمِنًا ، ولا يأكُلْ طعامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ . وحسّنهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وقَالَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ :
فَلا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ ** وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ ** إذَا هُوَ مَاشَاهُ
قَالَ ابنُ حَبَّانَ :
العاقِلُ يَجْتنِبُ مُمَاشاةَ الْمُرِيبِ في نفْسِهِ ، ويفارِقُ صُحبةَ الْمُتَّهَمِ في دِينِهِ ؛ لأنَّ مَنْ صَحِبَ قوما عُرِفَ بِهِم ، ومَنْ عَاشَر امْرءًا نُسِب إليه . اهـ .
والإنسانُ يتأثَّرُ بِمنْ يُخالِطُ ولو كَانَ حيوانا بهيما ، كما في قولِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : الفَخْرُ والخيلاءُ في الفَدَّادينِ أهلِ الوَبَرِ ، والسَّكينةُ في أهْلِ الغَنَمِ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ
الثاني عَشَرَ :
أنْ يَتوبَ كلما أذنَبَ ، فإنَّ هذا هُوَ شأنُ المؤمنينَ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إنَّ الشيطانَ قَالَ : وعِزتِّكَ يا ربُّ لا أبْرَحُ أغوي عبادَكَ ما دامتْ أرواحُهُم في أجسادِهِم ، فقَالَ الربُّ تباركَ وتعالى : وعِزَّتِي وجلالي لا أزالُ أغفِرُ لَهُم ما استغفروني . رَوَاهُ الحاكمُ وغيرُه وهُوَ حَديثٌ صَحِيحٌ .
ولأنَّ الذنوبَ إذا تراكمتْ على القلوبِ غطّتْ عليها وسببتْ لها الرَّانَ والطَّبعَ والختمَ حتى تُغلقَ القلوبُ وتُقْفَل .
والوَجَلُ مِن الذنوبِ هُوَ شأنُ المؤمنينَ .
قَالَ ابنُ مسعودٍ : إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ . رَوَاهُ البخاريُّ .
وقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالا، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ . رَوَاهُ البخاريُّ .
وخِتامُ القولِ ما قالَهُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : السَّعِيدُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ مَحَامِدَ النَّاسِ بِسُخْطِ اللَّهِ، عَادَ حَامِدُهُ مِنَ النَّاسِ ذَامًّا لَهُ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : إِنَّ الْخَاسِرَ مَنْ أَبْدَى لِلنَّاسِ صَالِحَ عَمَلِهِ، وَبَارَزَ بِالْقَبِيحِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد
منقول
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
الله يجزيج خير ع الطرح
القيم بوركتِ ياغاليه
جُزيتِ الفرْدَوس الأعلَى مِنْ الجَنّه ♥
مُحَمَّدٌ رَسولُ الله
و بارك لكِ جهودكم الدائمة