تخطى إلى المحتوى

"هادي أبلتي" . وقفات مع محطات من حياتي بقلمي 2024.

خليجية
وقفت سيارة الأجرة أمام المطار الدولي… ارتجلنا منها.. إنها لحظات السفر… أجمل وأمتع لحظات الحياة بالنسبة لي… دخلنا المطار من خلال الباب المتحرك وتوجه زوجي لتتمة الإجراءات وبعدها صعدنا السلم المتحرك….

قلبي يلفه البهجة والحماسة … السفر بالنسبة لي هو بمثابة الخروج من الروتين … إنها هواية لطالما أحببتها… إنها فرحة لا تضاهيها فرحة إلا فرحة الرجوع من السفر والجلوس بين العائلة والحديث والسمر وتوزيع الهدايا والمفاجأت..

وصلنا للصالة الكبرى… الأطفال لا يقلون بهجة وسرور عني… فإنه يوم يبعث على البهجة فعلاً … الشمس مشرقة لصباح جميل .. جلسنا جميعا نتجاذب أطراف الحديث أنا وزوجي والأطفال على الكراسي المعدنية الثابتة والمصطفة في صفوف متوازية… كانت الصالة مزدحمة ..لم تمر إلا ربع ساعة لتمر سيدة وقورة… أظنها في الستينيات من عمرها… كانت محملة بالأكياس المختلفة… يبدو أنها مشتريات من السوق الحرة.. ربما ألعاب.. هدايا.. روائح…شكولاتة… ما أعتدنا شرائه في سويعات المطارات.. رمقتنا بإبتسامة عريضة كشف عن وجه بشوش جميل.. وسألتنا عن موعد طائرة اللوفتهانزا.. ثم استاذنتنا في الجلوس بجانبنا… تفضل زوجي بالإجابة عن جميع أسئلتها .. وإعطائها كافة المعلومات..

أما أنا فكنت أتأمل ملامحها… نبرات صوتها .. نعم إنها ليست غريبة…

نظرات عيونها الحانية..

يداها البيضاء المكتنزة…

نعم…إنها تذكرت…..إنها أبلتي…قاطعت زوجي … وقفز شئ بداخلي… إنها طفولتي .. ذكرياتي المدرسية.. وقلت بعفوية تامة
" أبلة فطيمة.. صح؟" نظرت إلى … كانت تحاول جاهدة تذكري… فأسعفت نفسها وقالت لي بدبلوماسية:

: " إنتي كنت تلميذة عندى في مدرسة (_____) …. مش هكي؟" أجبتها بحماسة

: " أيه أيه …. أنتي أبلتي زمان … عرفتيني؟"

خليجية

كانت كلمة " أبلتي" أيام طفولتي كلمة سحرية بالنسبة لي… اتذكر طيلة سنوات الإبتدائية وقصتي مع حب الآبلات وأبلة فطيمة بالذات…

كنت في الفصل اتسابق لأحصل لنفسي على مكان في المقعد الأول للصفة االوسطى للفصل… لأجلس أمام

(أبلتي)..

كانت جيوب حقيبة الظهر قطع التباشير الملون والغير ملون والذي أجمعه من كل مكان خصيصا ..

(لأبلتي)

التقط لوح الخشب في الطريق او فناء المدرسة وأخبئها في درج مقعدي وأمدها عندما تطلبها

(أبلتي)

اختلس من حجرة الأكل في بيتنا مفرش طاولة جميل لأضعه على طاولتها أمامي في الفصل ولتسألني أمي عنها وأقول

" أعطيتها لأبلتي"

أقفل باب الرئيسي لبيتنا متوجهة في الصباح الباكر للمدرسة وفي يدي باقة صغيرة قطفتها أنامل براءة طفولتي من حديقة بيتنا… احيانا باقة من العطر وتارة الفل وتارة زهر البرتقال …تبعا للموسم ولا يكلف أحد نفسه لسؤالي فهم يعرفون… إنها …

(لأبلتي)

وأعود أدراجي من المدرسة ظهرا ولأستعد بعد الغداء .. أضع صبورتي الصغيرة ولأصطف الدمى أمامي ولأقلد

( ابلتي.).

ببساطة واختصارا لكل هذا.. كانت هى بالنسبة لي مرادف لكل شئ جميل وكبير… قد لا أفقه ما تقول ولااستوعب ما تشرح… ولكنها كانت كذلك في عيون طفولتي الجميلة… طفولتي أنا..

جمالها آخاذ.. بمعطفها البني الباهت ورقبته الملفوفة بالفرو الناعم… تجعلني أراها بجمال يفوق

جمال أم بشار .. ملكة النحل..

رزانة وحكمة أم فلونة..

إنه يوم عيد.. يوم سرور… إن قابلتها صدفة في مكان غير المدرسة لأجري إليها وأصافحها وأقول لأمي:

( هادي أبلتي)

يااااه.. ولاتسعني الدنيا طربا إن مدحتني أمام أمي بكلمات فيها الكثير من المجاملة " بنتك ما شاء الله عليها شاطرة"..

هذه قصة طفولتي مع أبلتي…

خليجية

جلست أبلة فطيم بجانبي أما زوجي فقال سأترككم مع بعض مقترحاً أخذ الأطفال في جولة أنحاء السوق الحرة في المطار.. أما نحن فقد تجاذبنا أطراف الحديث عن كل شئ.. أيام الدراسة.. مشاكل التعليم والتربية.. الزمان الذي تغير.. زواجي .. أطفالي..كانت هى تبادلني الحديث عن كل شئ وبروح أخرى وهمست لي أنها ستختارني صديقة لها وستعرفني على زوجة أبنها.. وبروح أخرى حدثها.. أجلس بجانبها… "نداً لند".. امرأة لأمرأة.. إنها بحق امرأة قديرة لها تجاربها.. فهمت منها أنها متوجهة لزيارة ابنها "حسام" الذي أصبح طبيباً بارعاً في ألمانيا مع زوجته وأطفاله.. ستذهب إليه لإجراء كشف طبي روتيني .. لم أرد أن أسألها عن أية تفاصيل…
كان حسام طفلا عندما كانت تصطحبه أمه أبلة فطيم معها للفصل … وضحكنا من قلبينا عندما ذكرتها بكيف كانت تعاقبه عندما يزداد شقاوةً … وذلك بإجلاسه بين تلميذتين في مقعد واحد ليحمر وجهه وهو منكمش يأكله الخجل وهو يتوسطهما في المقعد..

لم أمل من أحاديثها الشيقة عن كل شئ.. وصولا لقرارها بترك التدريس في المدرسة والركون إلى التقاعد… وقفت عن قرب ولأول مرة في حياتي عن الوجه الآخر لعالم المدرسين والمعلمين في الحياة …عن أحاسيسهم… شعورهم بحق أجحفه مجتمع الطلبة والتلاميذ … فضفضت لي أيضا عن أصعب لحظة في حياتها … وهى عندما وصل إلى مسامعها عن صفحات نشرت عنها وعن مثيلاتها من القديرات في "الفيس بوك" … لم تحمل تلك الصفحات شئ ذات مضمون .. إلا سخرية مبتذلة عن المدرسة ومعلميها وطبعا " أبلة فطيم " .. إلا تفاهة تلاميذ عصر الإنترنيت!

نظرت إلى ساعتي .. اقتربت لحظات الرحيل.. لقد مر الوقت معها بسرعة.. قلت لها إنها أروع 45 دقيقة قضيتها في هذه السنة… ومع وجه صبوح لم أقابله منذ 25 سنة… وقفنا ولملمت هى أكياسها.. فكرت بسرعة البرق أن أجعل لها مفاجأة.. فقلت لها " نبي نشري باقة ورد لوحدة عزيزة عليا.. شنو رايك تختاريها لي؟" فردت على الفور

" هيا ما فيش مشكلة؟ نمشو بسرعة!

توجهنا سويةً لمحل صغير في الركن خاص بالهدايا والكروت والورود.. وعلى عجل اختارت أجمل ما في المحل من بتلات الورد الأحمر القاني وتشكيلة من الزهور المجففة لتتخللها.. سلمتها للبائع وطلبت منه أن ينسقها ويلفها بطريقة مبتكرة.. دفعت الثمن بسرعة..

وخرجنا من المحل وسلمت الباقة .. لأبلتي.. نظرت لي والسعادة لا تسعها..وقبل أن تنبس بكلمة تعالى صوت المضيفة الأرضية معلنة عن فتح باب الرحلة رقم (…..).. ضمتني أبلتي بحرارة و دعت لي بالخير .. وعبرت لي بسرعة كيف أن الكلمات تخونها لتعبر عن فرحتها بتقدير تلميذة سابقة لها… كما طلبت مني على استحياء أن أدعو لها ..حملت عنها أكياسها وتوجهت بها بسرعة إلى بوابتها..

وقفت بعدها أمام زجاج المطار والمطل على ساحة الطيران… رأيت الطائرة التي هى على متنها تتحرك ببطء ثم لتتوقف ثوان وليتصاعد صوتها وكأنها تستجمع قواها ولتقلع الطائرة الضخمة بمن فيها ولتصعد عنان السماء…تابعتها وهى تصغر شيئا فشيئا .. شيئا فشيئا.. ولتختفي تماما في الاجواء البعيدة…

رجع زوجي والأطفال.. مسحت دمعة لاإرادية انسكبت ساخنة على وجنتي.. لم أعرف لماذا؟ معاهدة نفسي على أن أفتح صفحة خاصة على الفيس بوك لها ولمعلمات مدرستي الإبتدائية حال عودتي من السفر بإذنه تعالى…

خليجية

مر حوالي 3 أشهر على رجوعنا من رحلتنا إلى طرابلس.. عندما تذكرت بأسف ذاك اللقاء في المطار.. ذهبت الى غرفتي وفتحت المحفظة باحثة عن قصاصة دونت فيها رقم هاتفها هنا.. حاولت الاتصال.. ولكن عبثا لم تجبني… حاولت أكثر من مرة.. ولكن ردت عليا بعض عشرات من المحاولات .. لم تكن هى بالتأكيد .. إنني أعرف صوتها جيدا.. سألتها عن أبلة فطيم.. أجابتني بحزن واستغراب في ذات الوقت… " معقولة ما سمعتيييييش؟ ! الحاجة فطيم توفت في ألمانيا عند ولدها من 3 شهور؟ أكيد سمعتي بحالتها لما سافرت..!"
شهقت أسفا واستغرابا.. وتأسفت لها .. مؤكدة أنني لم أرها منذ تلك الرحلة بتاريخ 12-08-2009 .. .. أنهيت المكالمة..
وخنقتني العبرات..وعجزت حتى عن البكاء… لقائي بها كان حتماً تقدير الهي .. بدون شك.. ولكن هذا اللقاء حمل أكبر مفارقات الحياة بالنسبة لي… وربما لها أيضا.. ربما لأودعها وربما لتعرف قبل الرحيل ولتتيقن ان هناك في هذا العالم تلاميذ لطالما أحبوها.. قدروا عطائها …

تذكرت باقات الزهور التي لطالما كنت اقطفها ايام الإبتدائي .. والتي لا تخلو من فوضتي الطفولية.. والباقة المتقنة الترتيب التي أهديتها لها في المطار بعد طول سنين.. والتي كانت مسك الختام… وتذكرت أيضا دموعي التي انسكبت وأنا أرى الطائرة التي تصغر شيئا فشيئا وهى على متنها.. ربما حاستي السادسة كانت تعلم أنها ساعة الوداع.. ولكن ليس لأبلة فطيم فحسب.. بل لزمن جميل كان فيه الصغير يوقر الكبير.. والكبير يرحم الصغير..

تذكرت الفيس بوك .. وما سبب لها من الام هذا الفيس بوك.. لمت نفسي على نسيان ما عاهدت نفسي عليه.. صفحة لها ولمدرستي..

جلست بالغرفة ولأجد نفسي بدون أن أدري أدندن أهزوجة مدرسية كنا نهديها بصوت جهوري واحد … نحن بنات الفصل.. وبإتفاق جماعي.. ولتنطلق حناجرنا بمجرد أن تعتب باب الفصل في مناسبات مدرسية خاصة….

(أبلة فطيم إنحبوها… دور على دور إنعزوها… يا ريته عندي صورتها… زي الغزالة مشيتها…)

فتحت جهازي وبحثث عن تلك الصفحات التافهة… التي فتحها تلاميذ لايقلون تفاهة عنها.. وضعت اسم مدرستي في خانة البحث… وبدأ البحث….
رأيت ما رأيت .. وقرأت ولم أقرأ شيئا إلا كل سخرية لا ينقصها إبتذال.. أردت أن أشارك في الصفحة بكلمات تناصحهم.. بكلمات قد أفهمهم بها عن مدى روعة أبلة فطيم.. وسواها من القديرات .. عن كم الألم الذي يسببونه لأناس لم يستحقوا منا إلا كل حب وتقدير… أردت .. وأردت… كنت قد عاهدت نفسي ان اسعدها بشئ على صفحات عالم الفيس بوك.. ولكن الوقت قد فات .. والزمن سبقني .. وأيضا سبقها.. إنها دورة الحياة .. الشمعة التي تحترق لتنير طريق الغير.. ثم تذوب شيئا فشيئا ولترمى.. ولتصبح مجرد ركام ذائب ..يابس…

كيف سأشرح لكم يا تلاميذ صفوف عصر العولمة والأنترنيت.. لقد انتقلت ابلتي إلى عالم الأموات.. ولكنها حية.. بكل ما أمدته لنا من عطاء .. أما انتم .. فأعتبركم بلا شك الأموات الحقيقيين في الحياة!

وضعت أناملي على الكيبورد.. وكلي حنق على سخفهم.. أردت أن أصفعهم بكلمات لا تقل تجريحا… وجدت نفسي ضعيفة.. بل عاجزة تماما..أنني أقف أمام عصر آلي اندثر فيه كل جميل.. اندثار باقات زهوري … باقات زهور زمني الجميل..

ولكني اكتفيت بكتابة بضعة أحرف بسيطة.. [/COLOR]
خليجية

هـــ ا د ي أبــ لــ تـــ ي

مااحلى الذكريات خاصه الطفوله والجميله منها
يعطيج العافيه كلماتج معبره وجميله عشت فيها
في معلمات غايه في روعه ذكراهم في قلب خفيفات على القلب
ويوجد معلمات مهما كتبت من كلمات لايوصل مدى بشاعت سلوكهم واخلاقهم وافعالهم سامحهم الله

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تسونامي خليجية
مااحلى الذكريات خاصه الطفوله والجميله منها
يعطيج العافيه كلماتج معبره وجميله عشت فيها
في معلمات غايه في روعه ذكراهم في قلب خفيفات على القلب
ويوجد معلمات مهما كتبت من كلمات لايوصل مدى بشاعت سلوكهم واخلاقهم وافعالهم سامحهم الله

شكرا تسونامي,,,

وليا الشرف انك اتكوني اول المشاركات..
فعلا في مدرسات.. الله لا يروعك… ربنا ايسامحهم ان شاء الله

الله يرحمها ويغمد روحها الجنة

ابصراحة كلماتج خلتني اعيش الجو معاكي ومع الابلة فطيمة

ما احلى لطفوله بكل ذكرياتها
كلمات في منتهى الروعه
سلمت اناملك

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسيرت شوق خليجية
الله يرحمها ويغمد روحها الجنة

ابصراحة كلماتج خلتني اعيش الجو معاكي ومع الابلة فطيمة

شكرا اسيرة الشوق .. والله يرحم موتانا جميعا

مرورك هو الأجمل يا غالية

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مونتاج خليجية
ما احلى لطفوله بكل ذكرياتها
كلمات في منتهى الروعه
سلمت اناملك

ومرورك أروع يا مونتاج.. وفعلا ذكرياتنا احلى شئ نحمله في رحلة الحياة..جعلها الله تعالى في طاعته. بإذنه تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.