* الفركتوز الذي يعرف باسم «سكر الفواكه» كان لا يشكل في يوم ما سوى جزء ضئيل من الغذاء اليومي للأميركيين، ففي بدايات القرن الماضي تناول الفرد الأميركي في المتوسط 15 غراما منه يوميا، جاء أغلبها من تناول الفواكه والخضراوات. أما اليوم فإن متوسط ما يتناوله الفرد الأميركي هو 4 إلى 5 مرات من تلك الكمية، أغلبها من السكر المصفى الذي يستخدم في رقائق الحبوب لإفطار الصباح، والمعجنات، والمشروبات الغازية، ومشروبات الفواكه، والأطعمة، والمشروبات الحلوة الأخرى.
ويتكون السكر المصفى المسمى السكروز (sucrose) بمقدار النصف من الغلوكوز ومن الفركتوز، بينما يحتوي عصير الذرة الغني بالفركتوز على 55% من الفركتوز و45% من الغلوكوز.
تحول الفركتوز إلى دهون
* إن دخول الفركتوز إلى الكبد ينشط سلسلة من التحولات الكيميائية المعقدة (انظر المخطط البياني على الرابط الإلكتروني: health.harvard.edu/172). ويتمثل أحد التغيرات المتميزة في أن الكبد يستخدم الفركتوز – وهو مادة من الكربوهيدرات – لإنتاج الدهون. وتسمى هذه العملية تكوّن الدهون (lipogenesis).
وما إن يحصل الكبد على ما يكفي من الفركتوز حتى تظهر قطرات صغيرة جدا من الدهون بالتراكم في خلايا الكبد (انظر الشكل). ويسمى هذا التراكم «مرض تشحم الكبد اللاكحولي» (nonalcoholic fatty liver disease)، لأنه يشابه ما يحدث للكبد لدى متناولي الكثير من الكحول.
ويصيب مرض تشحم الكبد اللاكحولي، الذي لم يكن معروفا تقريبا قبل عام 1980، حاليا ما يقرب من 30% من البالغين في الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى، وما بين 70 و90 في المائة من الأشخاص السمينين أو المصابين بمرض السكري.
وفي الإصابات المبكرة يمكن منع تطور مرض تشحم الكبد اللاكحولي، ولكن وعند منعطف ما فإن الكبد يصبح مصابا بالالتهاب، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أضرار طفيفة تعرف باسم «التهاب الكبد الدهني اللاكحولي» nonalcoholic steatohepatitis (يعني مقطع الكلمة «steato» الدهون، بينما يعني مقطع «hepatitis» التهاب الكبد). ولكن، وعندما يصبح الالتهاب شديدا فإنه قد يقود إلى حدوث تليف الكبد «cirrhosis»، وهي حالة تتراكم فيها أنسجة من الندوب مؤدية إلى تدهور وظيفة الكبد.
ما وراء الكبد
* إن تحلل الفركتوز في الكبد لا يؤدي إلى تراكم الدهون فحسب، بل إنه يؤدي أيضا إلى:
* ازدياد مستوى الدهون الثلاثية (triglycerides).
* زيادة مستويات الكولسترول (LDL) الضار.
* تشجيع تراكم الدهون حول أعضاء الجسم (دهون الأحشاء «visceral fat»).
* زيادة ضغط الدم.
* تحويل الأنسجة إلى أنسجة مقاومة للأنسولين، وهو مقدمة للإصابة بمرض السكري.
* زيادة إنتاج الجذور الحرة، والمركبات النشطة التي بمقدورها إلحاق الضرر بالحمض النووي «دي إن إيه» وخلايا الجسم.
ولا تعتبر أي من هذه التغيرات المذكورة مفيدة لصحة القلب والشرايين.
وقد شرع الباحثون في التدقيق في العلاقات بين الفركتوز ومرض الكبد الدهني وأمراض القلب. وتشير النتائج الأولية إلى أنها مماثلة للتغيرات التي ذكرت أعلاه، التي تحدث نتيجة التمثيل الغذائي (استقلاب أو تأيض) للفركتوز.
وأشارت مقالة نشرت عام 2024 في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» إلى أن الأشخاص المصابين بمرض الكبد الدهني اللاكحولي يكون لديهم على الأكثر تراكم في ترسبات الكولسترول على شرايينهم أكثر من غير المصابين بالمرض. كما يظهر لديهم على الأكثر أمراض في القلب والأوعية الدموية مقارنة بالآخرين ويتوفون بسببها.
وقد ربط تقرير من دراسة «فرامنغهام» للقلب بين مرض الكبد الدهني اللاكحولي ومتلازمة التمثيل الغذائي (metabolic syndrome)، وهي مجموعة من التغيرات التي ترتبط بقوة مع ظهور أمراض القلب والأوعية الدموية. كما ربطت دراسات أخرى بين تناول الفركتوز وارتفاع ضغط الدم.
قلّل تناول السكريات
* ولا يزال على الخبراء الكشف عن الكثير من الجوانب قبل تأكدهم نهائيا من العلاقة التي تربط بين الفركتوز ومرض الكبد الدهني، والسمنة، والسكري، وأمراض القلب. ورغم أن تناول الفركتوز بكميات كبيرة يرتبط مع كل هذه الأمراض فإن المطلوب هو أن تثبت التجارب الإكلينيكية الأسباب التي تؤدي إلى ذلك.
ومع ذلك فإن من الأفضل التقليل من تناول الفركتوز، لكن من دون الحد من تناول الفواكه! فالفواكه مصدر جيد وصغير لغالبية الناس. إلا أن المصدر الكبير للفركتوز هو السكر المصفى وعصير الذرة الغني بالفركتوز.
وتوصي جمعية القلب الأميركية بالحد من تناول السكر الموجود في المشروبات المحلاة، والمعجنات، وأطباق الحلوى، ورقائق حبوب إفطار الصباح، وذلك تجنبا لزيادة الوزن. ولذا فإن علينا اتخاذ هذه الاستراتيجية نفسها بهدف حماية الكبد والشرايين.
* رسالة «هارفارد» للقلب، خدمات «تريبيون ميديا»