والذي نودُّ ذِكره هنا أن صلاة الفجر مع الجماعة، قد اختصتْ بفوائدَ وأسرارٍ انفردتْ بها عن سائر الصلوات، ومن يطَّلع على
واحدة من هذه الفوائد يجد أن الواحدة منها كافية أن تستنهض همَّة المؤمن، وتحرِّك عزيمته، وتبعث نشاطه، وتحمله على هجر
النوم والكسل، وترك الفراش، والبيت الدافئ، لينطلق في لهفة وحماس؛ لتحصيل هذه الفوائد، بأداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة.
الفائدة الأولى: الدخول في ذمَّة الله:
عن جندب بن عبدالله بن سفيان البجلي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يَطلُبَنَّكم الله من ذمَّته بشيء؛ فإن من يطلُبهُ من ذمته بشيء يدركه، ثم يَكُبه على وجهه في نار جهنم))؛ رواه مسلم وأحمد.
ومعنى هذا الحديث: أن مَن صلَّى الصبح في جماعة، فهو في ضمانه – تعالى – وأمانه وعهده، فليس لأحد أن يتعرَّض له بسوء،
ومَن نقض عهد الله – تعالى – فإنه يطلبه للمؤاخذة بما فرط في حقِّه والقيام بعهده.
الفائدة الثانية: أجر قيام الليل:
عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((مَن صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلَّى الليلَ كلَّه))؛ رواه مسلم.
الفائدة الثالثة: براءة من النفاق:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما، لأتَوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ المؤذِّن فيُقيم،
ثم آخُذَ شُعلاً من النار، فأحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعد))؛ رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
الفائدة الرابعة: النور التام يوم القيامة:
عن بريدة الأسلمي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة))؛ رواه أبو داود والترمذي.
الفائدة الخامسة: شهود الملائكة له، وثناؤهم عليه عند الله – تعالى:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار،
ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربُّهم – وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي؟
فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلون))؛ رواه البخاري ومسلم.
الفائدة السادسة: أجر حجة وعمرة إذا ذكر الله – تعالى – حتى تطلع الشمس:
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((مَن صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة))؛ رواه الترمذي.
الفائدة السابعة: غنيمة لا تعدلها غنائم الدنيا:
عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث بعثًا قِبَلَ نجدٍ، فغنموا غنائم كثيرة، فأسرعوا
الرجعة، فقال رجل ممن لم يخرج: ما رأينا بعثًا أسرع رجعةً، ولا أفضل غنيمةً من هذا البعث، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -:
((ألا أدلُّكم على قوم أفضل غنيمة، وأسرع رجعة؟ قوم شهدوا الصبح، ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت عليهم الشمس، فأولئك
أسرع رجعة، وأفضل غنيمة))؛ رواه الترمذي وضعفه.
الفائدة الثامنة: فضل اغتنام سنة الفجر:
عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))؛ رواه مسلم.
الفائدة التاسعة: النجاة من النار، والبشارة بدخول الجنة:
عن عُمارة بن رويبة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
((لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))؛ يعني: الفجرَ والعصر؛ رواه مسلم.
ومما يعين المؤمنَ على الاستيقاظ لصلاة الفجر في وقتها ألاَّ يطيل السهر بعد العشاء، وأن ينام باكرًا لوقت يمكنه فيه أن يصحو
نشيطًا ويهرع إلى المسجد، فمَن منَّا لا يحرص على أن يكون في أمان الله، يرعاه ويتولاه؟!
ومن منا لا يحرص على أن يكون له النور التام يوم القيامة، يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم؟!
ومَن ذاك الذي لا يهمُّه أن يكون بريئًا من النفاق براءةً تنجيه من هول ذلك اليوم، ومن سوء الحساب يوم القيامة؟!
ألا تستأهل كل واحدة من هذه الفوائد أن تجعلنا ننفض عنا غبار النوم والكسل، ونسارع لاغتنام هذا الخير العظيم، قبل انقضاء
أعمارنا في هذه الدنيا الفانية؟!
فإذا جاهدتَ نفسك، وهرعتَ إلى المسجد عندما ينادي المؤذِّن (الصلاة خير من النوم)، وأدَّيت هذه الصلاة مع الجماعة، فستجد
لذلك حلاوة ومتعة، لا يُفصح عنها لسان، ولا يُعبَّر عنها بالبيان، فإذا تذوقتَ حلاوتها، وتنعمتَ بما فيها، فإنك لن تستغني بعد ذلك
عنها، إنك ستصبح أشد حرصًا عليها، واهتمامًا بها، ورغبةً فيها، كلما مرت بك الأيام، وامتدت بك الأعوام.
وختامًا:
اللهم أعنَّا على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا ممن يسارعون إلى الخيرات، ويسابقون إلى الطاعات والمكرمات، وفي ذلك
فليتنافس المتنافسون، ولمثل هذا فليعمل العاملون، والحمد لله رب العالمين.