د.احمد عدنان الجبوري أخصائي جراحة الأعصاب والدماغ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لا يدرك روائع الصنعة أو الأعجاز الذي فيها إلا من حاول الصناعة وكابد الصعاب وصابر الفشل
حتى توصل إلى تلك الصنعة أو عجز دونها فكانت بالنسبة أليه معجزة، وهذا ما حدث لسحرة فرعون
فإنهم أهل اختصاص وخبرة وكرسوا حياتهم للسحر فأتقنوا فنونه وعلمه وعلموا خباياه وحدوده وما
يمكن أن يكون سحراً وما هو فرق السحر، ولما جاء موسى (عليه السلام )بمعجزة العصا أدركوا أن
ذلك ليس بسحر ولا يمكن أن ينتج بالسحر فخروا سجدا بإعجاب وتذلل إلى الله (عز وجل )الذي
استحالة بقدرته العصا إلى أفعى تلقف ما يأفكون، كذلك الأمر مع بقية المخلوقات، فربما كان اقرب
للناس إلى الشعور بالأعجاز في خلقها هم أولئك حاولوا تقليدها فحالت الصعوبات دون هدفهم هذا فكان
الفشل الذي قاسوا مرارته هو في حقيقته نجاح في الوقوف على المعجزة الخلق وهاك خبر أحد هؤلاء
هو هاتز مورافك ( Hans marafek ) الذي قضى أربعين سنه في صناعة الربوت (الإنسان
الآلي )وهو يأمل في يوم من الأيام أن توصله بحوثه إلى الصناعة روبوت بقدرات عقليه تضاهي
قدرات العقل الإنسان فكتب مقالا في مجلة العلم الأمريكي لشهر شباط سنة 2000 يبين في هذا المقال
نتائج بحثه لهذه السنين الطوال يقول هذا العالم في البداية تمت بدراسة الجهاز العصبي للحشرات
والطيور والقوارض والإنسان ولم اكتف بالدراسة الوصفية الظاهرة بل طفقت أتابع الإشارات
الكهربائية وهي تنتقل من شبكة الخلايا العصبية وعلمت بعد ذلك إن في الجهاز العصبي عمليات
حسابيه تقوم بها خلايا الدماغ وهي تعالج المعلومات الواردة أليها من المحيط الخارجي عند ذلك أدركت
أهمية وضع وحدة قياسية لحساب سرعة ومعدل معالجة المعلومات من قبل الخلايا العصبية فكانت هذه
الوحدة هي MIP –Million Instruction Per se وتعني مليون عمليه حسابيه في الثانية
الواحدة وقد تتصور أنها وحده كبيرة جداً لكنها في الحقيقة ليست كذلك ذلك لان دماغ الحشرات (الذبابة
مثلا) يقوم بعشرة MIPS أي انه يقوم بحساب ومعالجة (10) ملايين إشارة عصبيهفي الثانية
الواحدة واعتقد انك الآن تتساءل عن دماغ الإنسان والقابليات التي أودعها الله (جل شأنه ) فيه في
البداية أود أن أعلمك انه لم يكن أمراً يسيراً حساب قابلية الدماغ البشري على معالجة الإشارات
العصبية الواردة إليه. لكن العلماء لم يتركوا الموضوع بشكل نهائي بل احتالوا عليه وذلك باستئصال
جزء صغير من الدماغ وحساب العمليات التي يقوم بها ذلك الجزء ثم قياس هذا على الدماغ كله ورغم
أن هذه الطريقة هي غير دقيقه تماماً (وذلك لأن الجزء قد لا يمثل من حيث التعقيد الدماغ ككل )إلا أن
هذا هو ما بالمستطاع عمله، يعني سؤال أي جزء من الدماغ يمكن أن يستخرج ويوضع في ظروف هي
قريبة من تلك التي في الجسد بحيث يبقى هذا النسيج العصبي يحافظ على حيويته وقابليته على معالجة
المعلومات بشكل صحيح كي يتسنى للعلماء حساب هذه القابلية ومن ثم تعميم النتائج على الدماغ كله
وبعد محاولات عديدة وقع الاختيار على شبكة العين التي هي في حقيقتها امتداد للجهاز العصبي في
كرة العين تقوم هذه الشبكة بتحويل الضوء إلى إشارات كهربائية ثم تعالج هذه الإشارات معالجه أوليه
قبل أن ترسل الدماغ عن طريق العصب البصري، وعند حساب معدل العمليات الرياضية التي تقوم بها
شبكة العين تبين أنها تساوي ألف mips أي أن شبكه تقوم بمعالجة ألف مليونإشارة كهربائية في
الثانية الواحدة !
ولما كان وزن الدماغ أثقل من شبكة العين بحوالي خمسه وسبعون ألف مره (75000)فلان هذا
يعني أن الدماغ يقوم بمائة مليون عمليه حسابيه في الثانية الو أحده أي مائة مليون mtps !
أن أحدث الكومبيوترات التي صنعت في البداية القرن الواحد والعشرين يقوم بحوالي ألف وبذلك تكون
قابلية الدماغ البشري واحد تعادل قابلية مليون كومبيوتر حديث ربطت بعضها ببعض لتقوم مجتمعه
بمعالجة المعلومات التي يتعامل معها دماغ بشري واحد تخيل لو انك أردت أن تصنع روبوت (إنسان
آلي ) يضاهي قدرتك، فان عليك إن تصنع في رأسه مليون حاسبة من النوع الحديث ولا أظن أن
مخازن شركة صناعة الحاسبات يتسع هذا العدد فضلاً عن راس الروبوت، ثم هب انك نجحت في حشر
وحقب هذه الحاسبات في رأس ( إنسانك ) !
فمن أين لك بالقدرة الكهربائية لتشغيل كل هذه الحاسبات معا انك ستحتاج ملايين من واطات الطاقة
الكهربائية لتشغيل هذا الرأس العملاق في حين أن دماغك الذي يقرأ هذه الكلمات لا يحتاج إلى أكثر من
عشرة واطات ليقوم بعمله على أتم وجه، ويبقى أن أخبرك إن أحدث الروبوتات التي صنعت حتى يومنا
هذا هو ذلك الذي أنتجته شركة هوندااليابانية والذي يصمم إنسان لكن له عقل لا يضاهي في قدرته
عقل البعوض! فهو قادر على المشي وارتقاء السلم لكنه يقف بعد (25) دقيقه ذلك لان دماغه يستهلك
ما في بطاريته من الكهرباء فتنفذ بعد
25 دقيقه من بداية مشيته، أرأيت ؟ هذا مظهر واحد من مظاهر القدرة ألالهيه تجلت لنا واضحة متلألئة
عندما فشلنا في الارتقاء إليها فضلا على التغلب عليها وأظن إن ذلك قريب من موقف سحرة فرعون
أمام عصا موسى (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) إلا إن هؤلاء سجدوا كلهم أجمعون أما سحرة
الكومبيوتر فان فيهم من تكبر وطغى فارتد فرعونيا ولكل حساب عند رب السموات والأرض القادر على
كل شيء .
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ {73} مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وصدق الله العظيم
جزاك الله كل خير