بدأنا في عدد الأسبوع الماضي حوارا مع مديرة مشروع الثقافة الإسلامية العالمية ,في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي ,
إيمان إسماعيل ,التي أكدت في بدأية حديثها أن أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه ,إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامهما عليه ما بيني جسمه وينمي عقله ويزكي نفسه ويعده للحياة .
أذ حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل ,فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم مانع ذلك .
وسبب تقديم الأم في الحضانة أن لها ولاية الحضانة والرضاع ,لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها ,ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل .
أوضحت إيمان إسماعيل ترتيب الحقوق في الحضانة مبينة أن الحضانة تكون للأم ابتداء ,وأن قرابة الأم تقدم على قرابة الأب في هذه الناحية ,ثم انتقلت إلى بيان الشروط التي يلزم توافرها في الحاضن ,وهي سبعة منها العقل والبلوغ والقدرة على التربية . وفي ما يلي تواصل استعراض باقي شروط الحضانة .
من شروط الحضانة :
الأمانة والخلق
لأن الفاسقة غير مأمونة ع الصغر ولا يوثق بها في أداء واجب الحضانة ,ربما نشأ الطفل ع طريقتها ومتخلقا بأخلاقها ,وقد ناقش ابن القيم هذا الشروط فقال : مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعا , وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي ,رحمهماالله , وغيرهم , واشتراطها في غاية البعد ,ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم ولعظمت المشقة ع الأمة واشتد العنت ,ولم يزل .
قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة وأطفال الفساق بينهم لا يتعرض لهم أحد في الدنيا , مع كونهم هم الأكثرين ,ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه ,وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح ,فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق ولم يزل الفسق في الناس .
ولم يمنع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ,ولا أحد من الصحابة , فاسقا من تربية ابنه وحضانته له ولا من تزويجه موليته .
والعادة شاهدة بأن الرجل لو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها ,ويحرص ع الخير لها بجهده ,وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد ,
لو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدما ع كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به , فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العمل بخلافه ؟ ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب الخمر أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره .
الإسلام
فلا تثبيت الحضانة للحاضنة الكافرة للصغير المسلم ,لأن الحضانة ولاية ولم يجعل الله ولاية لكافر ع المؤمن ,قال تعالى في (الآية 141 من سورة النساء ) (….ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) فهي كولاية الزواج والمال ,ولأنه يخشى ع دينه من الحاضنة ,لحرصها ع تنشئته ع دينها وتربيته ع هذا الدين ,ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه , وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل .
ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة ,رضي الله عنه ,أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( مامن مولود إلا يولد ع الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ..))
ألا تكون متزوجة
فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت : يا رسول الله ,إن ابني هذا كان بطني له وعاء ,وحجري له حواء ,وثديي له سقاء ,وزعم أبوه أنه ينزعه منى . فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) (( أنت أحق به ما لم تنكحي )) أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه .
والحكم بالنسبة إلى المتزوجة بأجنبي فإن تزوجت بقرب محرم من الصغر , مثل عمه , فإن حضانتها لا تسقط ,لأن العم صاحب حق الحضانة وله من صلته بالطفل وقرابته منه ما يحمله ع كفالته عليه ورعاية حقه , فيتم بينهما التعاون ع كفالته .
بخلاف الإجنبي , إنها إذا تزوجته فإنه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية به فلا يجد الجو الرحيم ولا الظروف التي تنمي ملكاته ومواهبه .
ويرى الحسن وابن حزم أن الحضانة لا تسقط بالتزويج بحال .
الحرية
إذ إن المملوك مشغول بحق سيده فلا يتفرغ لحضانة الطفل .
أجرة الحضانة
أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع لا تستحقها الأم مادامت زوجة أو معتدة , لأن لها نفقة الزوجية أو نفقة العدة إذا كانت زوجة أو معتدة ,قال الله تعالى في (( الآية 233 من سورة البقرة )).. ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لم أراد أن يتم الرضاعة وع المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ..)) أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق أجرة الحضانة كما تستحق أجرة الرضاع لقول الله سبحانه وتعالى في (( الآية 6 من سورة الطلاق ( .. فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ))
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة من وقت حضانتها مثل الظئر التي تستأجر لرضاع الصغير , وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ع الأب تجب عليه أجرةالمسكن أو إعداده إذا لم يكن للإم مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير , وكذلك تجب عليه أجرة خادم أو إحضاره إذا احتاجت إلى خادم وكان الأب موسرا .
وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعلاج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها , وهذه الأجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها وتكون دينا في ذمة الأب لا يسقط إلا بألآداء أو الإبراء .
التبرع بالحضانة
إذا كان في أقرباء الطفل من هو أهل للحضانة وتبرع بحضانته ,وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة , فإن كان الأب موسرا فإنه يجبر ع دفع أجرة للأم ولا يعطي الصغير للمتبرعة ,بل يبقى عند أمه لأن حضانة الأم أصلح له والأب قادر ع إعطاء الأجرة .
ويختلف الحكم في حالة ما إذا كان الأب معسرا , فإن الطفل يعطى للمتبرعة لعسر والده وعجزه عن أداء الأجرة مع وجود المتبرعة ممن هو أهل للحضانة من أقرباء الطفل ,هذا كانت النفقة واجبة ع الأب .
انتهاء الحضانة
تنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال , وقدر الواحد منهما ع أن يقوم وحده بحاجاته الأولية بأن يأكل وحده ويلبس وحده وينظف نفسه وحده وليس لذلك مدة معينة تنتهي بانتهائها , إنما العبرة بالتميز والاستغناء , فإذا ميز الصبي واستغنى عن خدمة النساء وقام بحاجاته الأولية وحده فإن حضانته تنتهي .إلا إذا رأى القاضي أن مصلحته تقضي غير ذلك .
تخيير الصغيرو الصغيرة بعد انتهاء الحضانة
إذا بلغ الصغير سن التمييز وانتهت حضانته ,فإن اتفق الأب والحاضنة ع إقامته عند واحد منهما أمضي هذا الاتفاق , وإن اختلفا أو تنازعا خير الصغير بينهما , فمن اختاره منهما فهو أولى به لما رواه أبو هريرة . رضي الله عنه , قال : جاءت امرأة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني , فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت )) فأخذ بيد أمه فانطقت به . رواه أبو داود . ومن هذا المنطلق يجب علينا احترام قوانين التشريع التي شرعت بأهمية الحفاظ ع الأبناء في حال اختلاف الآباء , وأن حقوق الأبناء محفوظة بما شرع الله سبحانه وتعالى لهم من حقوق مهما كانت الأسباب التي يختلف حولها الآباء