تخطى إلى المحتوى

في السحور وآدابه 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في السحور وآدابه

الشيخ عبدالله الفوزان
المصدر: أحاديث الصيام .. أحكام وآداب
مقالات متعلقة

الحديث الأول: الأمر بالسحور وبركته

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((تسحَّروا فإنَّ السحور بركة))[1]؛ رواه البخاري ومسلم.

الحديث دليلٌ على أنَّ الصَّائم مأمورٌ بالسحور؛ لأنَّ فيه خيرًا كثيرًا، وبركةً عظيمةً دينيَّة ودنيويَّة، وذِكْرُه – صلى الله عليه وسلم – للبركة من باب الحض على السحور، والترغيب فيه، والسَّحور، بفتح السين: ما يؤكل في وقت السحور، وهو آخر الليل، وبضم السين: الفعل وهو أكل السَّحور، وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أراد أن يصوم فليتسحَّر بشيء))[2].

وهذا الأمر في الحديث أمر استحباب لا أمر إيجاب بالإجماع، بدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – واصَلَ وواصل أصحابُه معه، والوصال أن يصوم يومين فأكثر فلا يفطر؛ بل يصوم النهار مع الليل.

وفي السُّحور بركة عظيمة تشمل منافع الدنيا والآخرة:
1- فمن بركة السحور التقَوِّي على العبادة، والاستعانة على طاعة الله تعالى أثناء النهار من صلاة وقراءة وذكر؛ فإنَّ الجائع يكسل عن العبادة، كما يكسل عن عمله اليومي، وهذا محسوس.
2- ومن بركة السحور مدافعةُ سوء الخلُق الذي يُثيرُه الجوع، فالمتسحِّر طيِّب النَّفس، حسَنُ المعاملة.
3- ومن بركة السّحور أنَّه تَحصل بسببه الرغبةُ في الازدياد من الصيام؛ لخفة المشقة فيه على المتسحّر، فيرغب في الصيام، ولا يتضايق منه.
4- ومن بركة السحور اتّباع السُّنة، فإنَّ المتسحّر إذا نوى بسحوره امتثالَ أمر النَّبيّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – والاقتِداء بفعله، كان سحوره عبادة، يحصل له به أجرٌ بهذه النية، وإذا نوى الصائم بأكله وشربه تقويةَ بدنه على الصيام والقيام، كان مُثابًا على ذلك أيضًا.
5- ومن بركة السحور أنَّ الإنسان يقوم آخِرَ اللَّيْلِ للذِّكْر والدُّعاء والصَّلاة؛ وذلك مَظِنَّة الإجابة، ووقت صلاة الله والملائكة على المتسحّرين؛ لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – الآتي قريبًا.
6- ومن بركة السحور أنَّه فيه مُخالفةٌ لأهْلِ الكِتاب، والمسلم مطلوبٌ منه البعدُ عن التشبُّه بِهم، قال النَّبيّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فَصل ما بَيْن صيامِنا وصيام أهلِ الكتاب أكلةُ السحور))[3].
7- ومن بركة السحور صلاةُ الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل؛ ولذا تجد أن المصلِّين في صلاة الفجر في رمضان أكثرُ منهم في غيره من الشهور؛ لأنهم قاموا من أجل السحور.

فينبغي للصائم أن يحرص على السحور، ولا يتركه لغلبة النَّوم أو غيره، وعليه أن يكون سهلاً ليِّنًا عند إيقاظه من النَّوم، طيّب النفس، مسرورًا بامتثال أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حريصًا على الخير؛ لأنَّ نبيَّنا – صلى الله عليه وسلم – أكَّد السحور، فأمر به وبيَّن أنه شعار صيام المسلمين، والفارق بين صيامهم وصيام أهل الكتاب، ونهى عن تركه.

ويحصل السحور بأقلّ ما يتناولُه الإنسانُ من مأكولٍ أو مشروب، فلا يختص بطعام معيَّن، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((نِعم سحور المؤمن التَّمر))[4].

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحّرين))[5].

ومن آداب الصيام التي نصَّ عليها أهلُ العلم ألاَّ يسرف الصائم في وجبة السحور، فيملأ بطنه بالطعام، بل يأكل بمقدار، فإنَّه ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بَطْنٍ، ومتَى شبع وقت السحر لم ينتفع من وقته إلى قريب الظهر؛ لأنَّ كثرة الأكل تُورِثُ الكَسَلَ والفتور، وفي قولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نعم سحور المؤمن التَّمر)) إشارةٌ إلى هذا المعنى، فإنَّ التَّمر بالإضافةِ إلى قيمتِه الغذائيَّة العالية، فهو خفيفٌ على المعِدة، سهل الهضم، والشبع إذا قارنه سهر بالليل، ونوم بالنهار – فقد فات به المقصود من الصيام، والله المستعان.

اللهُمَّ إنَّا نسألُك من الخير كلّه، ما علِمْنا منه وما لم نعلم، ونعوذُ بك من الشَّرّ كلّه ما علِمْنا منه وما لم نعلَم، وجنّبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

في تأخير السحور

عن أنس عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أنَّه قال: "تسحَّرنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسّحور؟ قال: قدر خمسين آية))[6]؛ رواه البخاري ومسلم.

الحديث دليلٌ على أنَّه يستحبّ تأخير السحور إلى قبيل الفجر، فقد كان بين فراغ النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعه زيد – رضي الله عنه – من سحورهما، ودخولهما في الصلاة، قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية من القرآن، قراءة متوسطة لا سريعة ولا بطيئة، وهذا يدل على أن وقت الصلاة قريب من وقت الإمساك، وعن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أنَّه قال: "كنت أتسحَّر في أهلي ثُمَّ تكون سرعةٌ بي أن أدرك صلاة الصبح مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم"[7].

والمراد بالأذان في حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه -: الإقامة، سُمّيت أذانًا؛ لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، وقد ورد في "صحيح البخاري" أنه قيل لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية[8].

قال الحافظ في "الفتح": "وهي قدر ثلث خمس ساعة"[9] اهـ؛ أي: أربع دقائق[10].

وتعجيل السحور من منتصف الليل جائز، لكنه خلاف السُّنة، فإن السحور سمي بذلك؛ لأنه يقع في وقت السحر، وهو آخر الليل كما تقدَّم.

والإنسان إذا تسحَّر نصف الليل قد تفوتُه صلاةُ الفجر؛ لِغلبةِ النَّوم، ثُمَّ إنَّ تأخير السّحور أرْفَقُ بالصَّائِم، وأدْعَى إلى النَّشاط؛ لأنَّ مِن مقاصِد السّحور تقويةَ البَدَن على الصّيام، وحفظَ نشاطه؛ فكان من الحكمة تأخيره. فينبغي للصائم أن يتقيَّد بِهذا الأدب النبوي، ولا يتعجَّل بالسّحور.

ومِمَّا يؤسف عليه أنَّ أناسًا يتسحَّرون نصف الليل؛ لأنَّهم يسهرون أمام آلات اللهو، أو في مجالس اللغو والاجتماعات الآثمة! فهؤلاء مع سهرهم مخالفون للسُّنة وهي الأكل في السحر آخر الليل، ومنهم مَن ينام بعد الأكل ولا يستيقظ لصلاة الصبح إلا بعد طلوع الشمس تعمُّدًا، فهذا قد أضاع فريضة عظيمة من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، أضاعها في أفضل الأوقات، وهو متوعَّد إذا لم يَتُب إلى ربه ويَعتَنِ بصلاته بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]؛ أي: غافلون معرضون.

وقد دلَّت السُّنة على العمل بأذان المؤذِّن إذا كان ثقة، عارفًا الوقت، وأذَّن بعد تبيُّن الفجر؛ لكن يلاحظ اليوم على كثير من المؤذنين – هداهم الله – أنهم يؤذِّنون قبل الوقت، يزعمون أنهم يحتاطون لصيام الناس، وهذا الاحتياط غير صحيح؛ لأن الاحتياط هو لزوم ما جاء به الشرع ما دامت النصوص واضحة جلية، فإن ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – كان لا يؤذن حتى يطلع الفجر[11]. وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغرَّنكم نداءُ بلال، ولا هذا البياضُ حتى يبدو الفجر، أو قال حتى ينفجر الفجر))[12]؛ ولأنه يترتب عليه صلاةُ مَن لا جماعة عليه من نساء ومعذورين قبل دخول الوقت. والمؤذنون أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم، فعليهم أن لا يؤذنوا إلا إذا تبيَّن الصبح إما بمشاهدة، أو علم عن حساب دقيق، والإمساكُ قبل الفجر من قبيل الاحتياط مخالفٌ لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.

وإذا أكل الصائم بعد طلوع الفجر يظن أن الفجر لم يطلع، فتبيَّن له بعد ذلك أنه طلع – فصومه صحيح ولا قضاء عليه؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

فأباح الله تعالى الأكل حتى يتبين الفجر، والمباح المأذون فيه لا يُؤمَر فاعلُه بالقضاء، ومثله لو أكل أو شرب شاكًّا في طلوع الفجر، فالأظهر أنه لا قضاء عليه، فإن العبادات مبناها على اليقين لا على الشك والظن، والله أعلم.

ومَن تسحر ثم نوى الصيام، ثم عرض له أن يأكل أو يشرب أو يتناول دواء، فله ذلك ما لم يطلع الفجر؛ لأن الصوم الشرعي لا يبدأ إلا من طلوع الفجر، وليست نية ترك الطعام قبل الفجر بمحرَّم، والله أعلم.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] البخاري (4/ 139)، ومسلم (1095).
[2] رواه أحمد (3/ 367)، وابن أبي شيبة (3/ 8) وغيرهما، وهو من رواية شريك بن عبدالله النخعي، وهو سيئ الحفظ، لكنَّ له شاهدًا مرسلاً عند سعيد بن منصور في "سننه" بلفظ ((تسحروا ولو بلقمة)) كما ذكر ذلك الحافظ في "الفتح" (4/ 140)، وانظر: "المسند" تحقيق الأرنؤوط ومن معه (23/ 208).
[3] رواه مسلم (1096).
[4] رواه أبو داود (6/ 470)، وابن حبان (223)، والبيهقي (4/ 237) وسنده صحيح.
[5] رواه ابن أبي شيبة (3/ 8)، وأحمد (10/ 15، 16 "الفتح الرباني") والحديث في إسناده ضعف، لكن له طرق يشد بعضها بعضًا، وله شواهد، انظر: "المسند" تحقيق الأرنؤوط ومن معه (17/ 150)، وقوله: ((أكله بركة)) بفتح الهمزة والإضافة إلى الضمير، فهو مصدر؛ أي: الأكل بركة، أو على وزن (فعلة) كما في رواية، بمعنى: أكلة مباركة، انظر: "بلوغ الأماني" (10/ 16).
[6] أخرجه البخاري (2/ 54، 4/ 138)، ومسلم (1097).
[7] رواه البخاري (2/ 54، 4/ 137).
[8] انظر: "فتح الباري" (2/ 54).
[9] المصدر السابق (4/ 138).
[10] قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -: لكني قرأتها فبلغت نحو ست دقائق "تنبيه الأفهام" (3/ 38).
[11] أخرجه البخاري (4/ 136)، ومسلم رقم (1094) (44).
[12] رواه مسلم (1094).

يـزآاج الله خيـر

ف ميزان حسناتج

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.