معنى العيد.. في الإسلام
أ.د. محمد إبراهيم الجيوشي
العيد في الإسلام يوم سرور وفرح وزينة، يحب الله أن تظهر فيه أثر نعمه على عباده، بلبس الجديد من الثياب، وتناول الطيب من الطعام بدون إسراف ولا مخيلة؛ فالله يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأعراف: آية 31،32).
فالله –سبحانه- قد أحل الطيبات من الطعام واللباس في ذلك اليوم، ولكنه حدد ذلك بعدم الإسراف؛ حتى لا ينسى المسلمون المعنى الطيب من العيد، وهو شكر الله على إنعامه وتوفيقه، ويندفعوا في جلب المشقة على أنفسهم وعلى غيرهم من ذوي الدخول المحدودة بالإسراف في ألوان الطعام واللباس إسرافا يخرجهم عن حد المألوف المباح إلى دائرة المكروه والمحرم، وشكر الله -عز وجل- على نعمه يقتضي البعد عما حرم.
ولعل في ذلك توجيها إلى من ينسون الغاية من الأعياد في الإسلام؛ فيعكفون على ما حرم الله، ويستبيحون لأنفسهم المحرم من الطعام والشراب؛ فيقلبون نعمة الله نقمة، تعرضهم لغضب الله ونقمته وعذابه، ولعل المسلمين جميعا في يوم العيد على اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية يعون هذا التوجيه الإلهي فيحرصون على جلال العيد وبهجته، ويبتعدون عن كل ما يشوب هذا الجلال من قول أو فعل أو سلوك، ولعل في ذلك التحذير ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وربما سرت عدوى الإقدام على الحرام في هذا اليوم إلى بعض فئاتنا من التشبه بالمجتمعات الغربية التي تتخذ من أيام أعيادها مناسبات تعبُّ فيها من الحرام، والتشبه بهؤلاء في هذا السلوك لا يليق بالمسلم الذي دعاه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يحافظ على شخصيته متماسكة القول والفعل والتعامل والسلوك حين قال: "لا تكونوا إمعة؛ تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا".
وهذا التوجيه النبوي الكريم يدعونا إلى أن نتعرف على معنى العيد في الإسلام، وفي الأمم الأخرى، فقد جرى العرف عند الأمم من غير المسلمين أن تتخذ من الأيام ذات الأثر في تاريخها أعيادا، تذكرها بأحداث وقعت في ذلك اليوم قد تتعلق بيوم بناء أو انتصار أو ابتداء، أو إكمال، مما يتعلق بأمور الدنيا وأحداث السياسة والتاريخ، وقد تكون تخليدا لبطولة بعض رجالها المعاصرين.
لكن أمر الأعياد في الإسلام مختلف اختلافا جذريا عن منهج الأمم الأخرى؛ لأن تشريع العيد في الإسلام ارتبط بالمواسم الدينية؛ فعيد الفطر مرتبط بانتهاء صيام رمضان، وعيد الأضحى مرتبط بموسم الحج، ويأتي عقب يوم عرفة الذي يُسمى يوم الحج الأكبر.
وبالنسبة لعيد الفطر وارتباطه بانتهاء صيام رمضان ففيه تذكير بنعمة البداية المنقذة لهذه الأمة؛ لأن شهر رمضان هو الذي أنزل فيه القرآن، والقرآن هو المنهج الإلهي الذي حدد الله فيه معالم الطريق السوي لقيام هذه الأمة، وهو بذلك يذكرنا بيوم البناء فناسب أن يكون الشهر الذي نزل فيه القرآن شهر صوم يشكل أحد أركان الإسلام؛ ليكون المسلمون على ذكر من نعم الله عليهم في ذلك الشهر، وناسب أن يتخذ اليوم الذي يلي ذلك الشهر يوم عيد تعبيرا عن الشكر له –سبحانه- على ما أنعم به علينا من إنزال القرآن الكريم في ذلك الشهر، وشكرا له سبحانه على توفيقه لنا أن التزمنا بأوامره واجتنبنا نواهيه، وتزكية لنفوسنا وتذكيرا لها بنعم الله عليها، وكذلك الحال في عيد الأضحى؛ فإنه يذكرنا بيوم إكمال وإتمام النعمة؛ لأنه يجيء بعد اليوم الذي أنزل الله فيه على نبيه –صلى الله عليه وسلم- الإعلان بإكمال الدين وإتمام النعمة وارتضاء الإسلام لنا دينا، حينما أنزل على رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم- في يوم عرفة من السنة العاشرة من الهجرة، وهو يقود موكب الحج الأعظم قوله سبحانه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا". (المائدة: آية 3).
وحُقَّ لنا أن نحتفل كل عام بيوم الابتداء ويوم الانتهاء باتخاذهما عيدين: الأول عيد الفطر، والآخر عيد الأضحى.
وهناك قصة طريفة تروى لنا حول بداية الاحتفال بالعيد في الإسلام؛ ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة المنورة وجد الأنصار (سكان المدينة) يحتفلون بيومين فلما سألهم عنهما قالوا: إن آباءهم كانوا يحتفلون بهما في الجاهلية. فقال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى". وتأكيدا للمعنى الديني الذي يرتبط بالأعياد في الإسلام فأنت ترى أن هناك صلاة شُرعت خصيصا تؤدى في هذين اليومين تسمى صلاة العيد، ويصلون شكرا واعترافا بالنعم، وسؤال المزيد منها حلالا طيبا.
ومن المعاني الإنسانية ذات الأبعاد السامية في السلوك الإنساني أن الله شرع زكاة الفطر بين يدي العيد، وهي حق للفقراء في أموال الأغنياء، تؤدى إليهم قبل يوم العيد أو صبيحة ذلك اليوم قبل صلاة العيد؛ لتكون عونا للفقير كي يشارك بقية أفراد المجتمع في الإحساس بمعنى العيد، فلا يشعر بحرمان الحاجة، وقلة ذات اليد في ذلك اليوم الذي تغمر البهجة والسرور فيه قلوب الأغنياء، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم".
ولا شك أن هذه إحدى اللمسات الإنسانية في التشريع الإسلامي -وما أكثرها- ليحقق للمجتمع استقراره وأمنه وأمانه، ويربطه برباط المودة والتعاطف بين الأغنياء والفقراء حتى يتحقق لهم الإحساس بالانتماء لأسرة واحدة، والشعور المشترك بين الجميع في السراء والضراء تحقيقا لقول النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ولهذه القيم وسواها كان عيد الفطر موسما من مواسم الخير العميم الذي تزف فيه الملائكة البشرى إلى المؤمنين، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فتنادي: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم؛ فهو يوم الجائزة، ويُسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة".
ويرتبط يوم الأضحى بدلالات ذات أثر بعيد في حياة المسلمين؛ لأنها ترتبط بأحداث التضحية العظمى التي استعد للقيام بها أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- حينما أقدم على التضحية بابنه إسماعيل عليهما السلام إثر رؤيا رآها، ورؤيا الأنبياء حق؛ لأنها وحي من الله، ولم يحُل بينه وبين إتمام التضحية إلا الفداء الذي بعث الله به ليفتدي ابنه إسماعيل بعد أن اجتاز الامتحان بنجاح، وأخذ يشرع في تنفيذ الذبح بأنه استجابة لأمر الله سبحانه. ومَن هذا الابن؟ وما ظروف إنجابه؟ لقد رُزق به أبوه على كبر في السن، ولذلك فحينما نحتفل بعيد الأضحى المبارك فإنما نحيي هذه التضحية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، ولنتعلم أن المؤمن يضحي في سبيل عقيدته بأغلى ما لديه من أموال وبنين، وقد سجل المولى سبحانه هذا الأمر الجليل في كتابه العزيز إشادة بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، واستجابته لأمر الله، ورفعة لشأن ابنه إسماعيل الذي رضي بما أمر الله في شأنه، وقال: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات: آية 100)، وتقول الآيات من سورة الصافات مفصلة هذا الحدث الجلل: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ*فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ*فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ*وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: آية 100-107).
ومن الدلالات ذات القيمة الكبرى التي ترتبط بهذا الموسم العظيم التضحية الأخرى التي اشترك فيها أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- وزوجه هاجر ورضعيهما إسماعيل حينما هاجر إبراهيم بهما إلى مكان البيت الحرام، وتركهما هناك بدون زاد ولا أنيس، وتحمُّل السيدة هاجر -رضي الله عنها- ما تحملت حينما علمت أن هذا أمر من الله لما سألت إبراهيم -عليه السلام-: آلله أمرك بهذا؟ فلما أجاب بنعم، قالت في ثقة المؤمنة: "إذن لا يضيعنا". وقد لاقت وعانت من الشدائد ما عانت، وصبرت على الخطوب حتى أجرى الله لها زمزم لتشرب وتسقي وليدها، وما زال الملايين من الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إلى بيت الله الحرام على مدى هذه الآلاف من السنين يشربون من زمزم، ويروون منها ظمأهم، ويتذكرون نعمة الله عليهم، وعلى أم العرب هاجر، وأبيهم إسماعيل -عليهما السلام-، والمناسك التي يؤديها المسلم يوم الأضحى، وقبله، وبعده؛ إحياء لذكرى هذه التضحيات الجسام، وتذكيرًا للمسلمين كي يعلموا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
انا وايد احب العيد ,,,, وعيدكج مباااااااااااااااااااااركـــ
و مباركن عيـدج