الحمد لله الذي خلق الكون فنظَّمه، وخلق الإنسان وكرَّمه، وسنَّ الدين وعظَّمه، ووضع البيت وحرَّمه، ورفع النجم وسوَّمه، وسخر الطير وألهَمه، وسير السحاب وكوَّمه، وبعث العظم ورمَّمه، وأنزل الكتاب وأحكَمه، ورفع القمر وقوَّمه، وخلق النحل وفهَّمه، وحفظ إبراهيم من النار وسلَّمه، ونادى موسى وكلَّمه، ووهب سليمان ملكاً وفهَّمه، وأرسل محمداً بالحق وعلَّمه.
سبحانه ما أعلى مكانه وأعظَمه! وما أكثر جوده وأكرَمه! وأعزَّ سلطانه وأقدَمه! وما أعظم لطفه وأرحَمه! سبحانه من إلهٍ حليمٍ ما أعظَمه!
صدق الله العظيم الذي أمات وأحيا، وأضحك وأبكى، وأنزل الماء وأجرى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى [النجم:49] ، له الحمد في الآخرة والأولى، وله الحمد ما أعطى وما أهدى، وهو الذي أخرج المرعى، وله المآل وإليه المنتهى، وعد المؤمنين المتقين جنة المأوى، لهم ما يشاءون فيها خالدين، وعد الله ومن أصدق من الله وأوفى، لهم فيها من الحور عين وخمر مصفى، لا يكدر ساكنها ولا يشقى، ويشرب من حوض النبي ويهنى، هذا جزاء من أحسن واتقى، وأما من طغى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:38-39] لهم فيها عذاب شديد لا يُقْوَى، يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً [الطور:13] يوم يسحبون على وجوههم إلى نار جهنم وبئس المثوى، لهم طعام من غسلين، وشجرة الزقوم لهم حلوى، لهم فيها من الحيات والآفات ما لا يزول ولا يفنى، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [المائدة:80] وغضب عليهم وجعل النار لهم مأوى.
فيا لخسارة مَن تكبَّر على ربه وغوى! ويا لندامة من عتى عن أمر ربه وطغى! وسبحان الله الذي لا ينام ولا ينسى! وسبحانه حي قيوم لا يموت ولا يبلى!
صدق الله العظيم الكبير المتعالي، صدق الله الذي لا تعجزه ظلمات الليالي، صدق الجبار الذي أرسى الجبال العوالي، سبحانه من إلهٍ عظيمٍ يغفر الذنوب ولا يبالي! لا إله إلا الله! بها نحيا وبها نموت، وبها نلقى الله، وبها نوالي.
صدق الله العظيم القديم الأزل، يغفر الذنب ويعفو عن الزلل، تنزَّه مولانا عن النقص والعلل، جبار قوي لا يكل ولا يمل، بسط الأرض بقدرته وأرسى الجبل، خلق السماوات والأرض بالحق ولم يتركنا في همل، لا يعزب عنه مثقال ذرة في واد أو سهل، سبحانه من إله عظيم! خلق كل شيء بحكمته وعدل.
صدق الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الـذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] ، صدق الله الذي لا تأخذه سنة ولا سهد، لا إله معه ولا يشركه أحد، لا يعجزه في الأرض رقم ولا عدد.
سبحانه من إله عظيم! سبحانه من إله رحيم!
صدق الله الذي عز فارتفع، وعلا فامتنع، وذلَّ كلُّ شيء لعظمته وخضع، وأمسك السماء فرفع، وفرش الأرض ووسع، وفجر الأنهار فأنبع، ومرج البحار ونزع، وسخر النجوم فأطْلَع، وسخر السحاب فارتفع، ونور النور فلمع، وأنزل الغيث فهمع، وكلم موسى فأسمع، وتجلى سبحانه للجبل فتقَطَّع، ووهب ونزع، وضر ونفع، وأعطى ومنع، وسنَّ وشرع، وفرَّق وجمع، وأَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [الأنعام:98].
صدق الله العظيم التواب، الغفور الوهاب، الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، وخشعت لِمَلَكوته الرقاب، واستدل بصنعته أولو الألباب، ويسبح الرعد بحمده والسحاب، والبرق والسراب، والشجر والدواب، مسبب الأسباب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3].. لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد:30] .
صدق من لم يزل جليلاًَ، صدق من حُسب به كفيلاً، صدق الهادي إليـه سبيلاً، صدق الله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ، صدق الله وصدق أنبياؤه.
صدق الله الواحد القدير، الماجد الكريم، الشاهد العليم، الغفور الشكور الحليم، قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:95] .
صدق الله ذو الجلال والإكرام، والعظمة السلطان، له الأفعال الكرام، والمواهب العظام، والإفضال والإنعام، والكمال والتمام، يسبح له الملائكة الكرام، والبهائم والهوام، والرياح والغمام، والضياء والظلام، وهو الله الملك القدوس السلام، ونحن على ما قال ربنا جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وجلت آلاؤه، وشهدت أرضه وسماؤه، ونطقت به رسله وأنبياؤه شاهدون، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:18-19] ، ونحن بما شهد الله به والملائكة وأولو العلم من خلقه شاهدين، يا رب العالمين!
سبحان الله الملك القدوس المطاع! سبحان الله عدد ما دعا لله داع! سبحان الله عدد ما سعى في الأرض ساع!
سبحان الله عدد ما صلى عبد وكبر! سبحان الله عدد ما سال دمع وغمر! سبحان الله عدد ما أصبح الصبح ونوَّر! سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر!
سبحان الذي في السماء عرشه! سبحان الذي في الأرض سلطانه! سبحان الله الذي في البحر سبيله! سبحان الذي في الجنة رحمته! سبحان الذي في جهنم سطوته! سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر!
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا برحمتك واصرف عنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذِلُّ من واليت، ولا يعِزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، نستغفرك اللهم من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم بلغنا ليلة القدر.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعلها ختمةًَ مباركة، وتلاوة نافعة، يا رب العالمين! اللهم أدخلنا بها الجنات، وآتنا بها الدرجات، وكفِّر بها عنا السيئات، واغفر لنا يا مولانا بها الزلات، يا رب العالمين!
اللهم قد حضرنا ختم كتابك، وأنخنا مطايانا ببابك، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إلهنا، إن تركتنا فمن الذي يؤوينا؟! وإن أبعدتنا فمن الذي يقربنا؟! إلهنا، ذنوبنا إليك صاعدة، ورحمتك بنا نازلة، يا رب الأرباب! يا ملك الملوك!
اللهم هذا الدعاء، وهذه المناجاة، وهذا البكاء، وهذه الصلاة، وهذا ختام رمضان، اللهم اختم لنا شهرنا برضوانك، والعتق من نيرانك، يا رب العالمين!
اللهم اجعلنا ممن صام وقرأ القرآن فارتفع به القرآن في أعلى الجنان، ولا تجعلنا ممن قرأ القرآن وزَجَّ القرآنُ به في النار، يا رب العالمين!
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، وأنت القوي ونحن الضعفاء، اللهم إنا ندعوك دعاء المساكين، ونرجوك رجاء الخائفين، رجاء من كثرت ذنوبه، وقلَّت حسناته، وألجمته خطاياه، ولم يجد إلا أنت راحماً، ولم يجد إلا أنت ناصراً، يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين! يا واسع الفضل! يا واسع المغفرة!
إلهنا، لو غلبت ذنوبنا عنان السماء ما يئسنا من رحمتك. اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار.
اللهم اكتبنا في عليين، وآتنا كتابنا باليمين، يا رب العالمين! اللهم أظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، ولا باق إلا وجهك، واسقنا من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم لا تجعلنا من عُبَّاد رمضان، واجعلنا من عِبَادك يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه وقيامه، وغفرت له زلاته وآثامه، وأمَّنْته الروع يوم القيامة، وحرَّمت على النار جسده وعظامه، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا. اللهم علمنا منه ما نَسِينا. اللهم اجعله شفيعاً لنا يوم القيامة، يا رب العالمين!
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، يا رب العالمين! اللهم انصر إخواننا في البوسنة والهرسك، يا رب العالمين! اللهم ثبت أقدامهم. اللهم قوِّ عزائمهم. اللهم صبرهم على مصيبتهم. اللهم تقبل شهداءهم. اللهم إنا نلتمس عذرنا إليك فيهم، يا رب العالمين!
اللهم إنا لا نملك إلا الدعاء، فهذا دعاؤنا لإخواننا. اللهم انصرهم على عدوهم، ولا تحرمنا أجر جهادهم، يا رب العالمين!
اللهم عليك بالصرب الحاقدين. اللهم مزقهم كل ممزق. واجعلهم آية لغيرهم يا رب العالمين! اللهم احشرهم مع هامان وفرعون، يا رب العالمين! اللهم اجعلهم عبرة للطغاة والمجرمين، يا رب العالمين! اللهم انصر المسلمين المستضعفين، يا رب العالمين! اللهم أخرج الدعاة من سجون الطغاة والفراعنة، يا رب العالمين!
اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، وعمل متقبل مبرور، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا شاباً إلا أصلحته، ولا مبتلىً إلا عافيته، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم طهر أعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وأموالنا من الربا، يا رب العالمين!
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا اللهم برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
اللهم ثبتنا إذا نزل بنا هادم اللذات، وانقطعت الذنوب وبقيت الحسرات.
اللهم كن معنا إذا نفخ في الصور، وبعثر ما في القبور، إليك يا ربنا يومئذٍ النشور. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، اللهم نور قبورنا إذا أظلمت علينا القبور، وفارَقْنا منازلنا والقصور، يا رب العالمين!
اللهم كما سترت ذنوبنا وعيوبنا في الدنيا فاسترها يوم القيامة؛ يوم الحسرة والندامة، يوم يرى كل إنسان منا عمله أمامه، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعلنا ممن ينادَى في الآخرة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] ، ولا تجعلنا ممن ينادَى فيها: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] ، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم هذا يوم وداع رمضان، وأنت رب رمضان ورب الشهور كلها، يا رب العالمين! اللهم اجعلنا ممن قبلته في الجنان، وعتقته من النيران، يا رب العالمين!
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182] .
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.